الجمعة، 7 مارس 2008

بالبوري ... وذلك اضعف الايمان ..

صباح السبت.. تقاطع طريقين رئيسيين بمدينتي الصغيرة... ورأيتهم.. رجلان مسنان وإمرأتان يقفان على جانب الطريق ويتدفئون بقرب بعضهم البعض.. لم يلفتوا في البداية نظري.. فقد تعودت عيناي على مشاهدة مجموعات تتراواح ما بين الشخص الواحد والعشرات.. ولكل مجموعة رسالة معينة تبغي توصيلها للعلن.. .. ومضت عربتي قليلا لتقف بعد أن أعاق نورالمرور الأحمر عجلاتها ومنعها من الدوران.. وحانت مني نظرة ثانية لمجموعة الأربعة لأجدها تقف قرب لافتات على الأرض صغيرة مكتوب على أحدها.. "العراق، هي مجرد فيتنام أخرى"... فقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن أوجه الشبه ما بين حرب العراق وحرب فيتنام.. فكلاهما منبوذ من المجتمع الأمريكي وغير مرغوب فيه... وبينما نبذ المجتمع الجنود الذين شاركوا في حرب فيتنام آنذاك... يحاول المجتمع في خلال حرب العراق عدم الربط ما بين الجندي الذي أضطر إلى أداء واجبه وما بين الحرب التي لا يزال يرفضها القطاع الأكبر جملة وتفصيلا.
بجانب لوحة العراق التي تشابه فيتنام تلك... كانت توجد على الأرض ثلاث لوحات أخر... الأولى لصليب ممثل الديانة المسيحية... الثانية لنجمة داود ممثلا الديانة اليهودية... والثالثة لهلال ممثلا الديانة الإسلامية.. وهذا مشهد أتجرأ لأن أقول أنني أول مرة أشهده بالرغم من السنوات العشر التي قضيتها بين ولايات أمريكا ومدنها المختلفة... لفت نظري أيضا صوت السيارات وهي تمضي... شمالا ويمينا... وصوت (بوري) العربة المميز ينطلق كثيرا... وأنا لا أعرف ما الذي يحدث... وبينما لا زلت في نظرتي المتأملة تلك للعلامات المغروسة في الأرض... تحولت ألوان علامة المرور من الأحمر إلى الأخضر معلنة الإذن بالانطلاق نحو وجهتي.. وقد فعلت... ودارت العربة نحو الشمال وصوت البوري لا يزال ينطلق في أحيانا كثيرة من حولي.. وحانت مني التفاتة نحو اليمين لأجد إحدى النساء تحمل لافتة كبيرة مكتوب عليها:
- أطلق صوت (البوري) تضامنا... حتى يعم السلام في العالم ويسود
ولحظتها فقط، علمت بسر ذلك البوري الذي يطلقه أصحاب السيارات بقوة.. وكثرة... وإصرار
إن التعبير عن الرأي لا يحتاج لقوة عظمي... لا يحتاج لذكاء كبير أو حتى وسائل اعلام... لا يحتاج أكثر من شخص واحد أو شخصين... ولربما ثلاثة أو أربعة كما في حال أصدقائنا... التعبير عن الرأي لا يحتاج حتى أن تغير مسار حياتك وتعدل خارطته.. والمشاركة في حملة تؤمن بها وقضية قد لا يتطلب حتى النزول من سيارتك.. وقد لا يتعدى ضربة صغيرة تنطلق من يديك تضغط بها على (دريكسون) العربة وتسمع العالم صوت عربتك الذي يعلن تضامنك مع قضيتك... وفي حالة أصدقاءنا هذه هي التعبير عن الرغبة في السلام وعن تعايش العالم في محبة ووئام... وأعجبتني الفكرة على بساطتها... ووجدتني... بحماس... أرفع قبضة يدي وأضغط،بقوة، على منتصف (الدريكسون)... لأضم صوتي لصوت كل من مر قبلي وكل من سيأتي بعدي... وأعزف بـ(بوري) عربتي لحن السلام!

الخميس، 6 مارس 2008

الجندي المجهول ..

مساء الإثنين, الثامن و العشرين من مايو, عيد المحاربين بأمريكا. المحال مغلقة و الطرقات خالية إلا من بعض السيارات و مارة أقلة يلوحون في الأفق هنا أو هناك. بحثت عنها, امرأة مسنة مقعدة دوما ما أراها ملتزمة مكانها على تقاطع أحد الطرق و أنا أمر مسرعة, و دوما ما تكون رافعة للافته تنادي فيها بنهاية الحرب.كم وددت لو وقفت يوماً و سألتها, لماذا أنت كل يوم هنا؟ من قتل لك في الحرب أومن فقدت؟ أهو أبن؟ زوج؟ أو لربما شخص ما جرح! يا لهذه الدنيا, لمّ لا تبطئ قليلا لتمهلني بعض لحظات لأتحدث معها.
و دوماً ما تذكرني تلك امرأة الصامتة امرأة أخرى, رأيتها مرة في التلفاز و الوكالات تغطي أخبارها. اسمها (سيندي شيهانس). قتل ابنها (كاسي) ذو الأربعة و العشرين عاما بالعراق في أبريل 2004 و معه سبعة آخرون, و صدمت سيندي بالخبر مثلها مثل أمهات كثر. و اختارت الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي يقضي إجازة بمزرعته الواقعة بولاية تكساس و خيمت أمام منزله لشهر كامل مطالبة بلقاء الرئيس على حدة لتطرح عليه بعض من الأسئلة. و تعاطف معها الرأي العام و صارت خبراً يوميا في أغلب القنوات. و بدأ البحث عمن هي سيندي؟ و من هو ابنها؟ و متى توفي؟ و ما هي مطالبها؟
و كانت سيدني ترد على تلكم الأسئلة بأن الرئيس الأمريكي قد قال إن الجنود الذين قتلوا في حرب العراق, و من ضمنهم ابنها, قد قتلوا من أجل تحقيق أهداف نبيلة و قالت: "أريد أن أعرف ما هي تلك الأسباب النبيلة التي من أجلها مات ابني؟" و تحدث السيناتور الجمهوري (جورج آلن) عن موقف سيدني و عبر عن رأيه قائلا "أعتقد أن من واجب الرئيس ملاقاة هذه الأم التعبة." حتى انتهى الأمر بعقد البيت الأبيض إجتماعات منفردة للرئيس مع خمسة عشرة أسرة من أسر الذين فقدوا أحباءهم في العراق, و كانت من ضمنهم سيدني.
و تحدثت سيدني نفسها في مقابلة لها مع قناة (السي إن إن) الإخبارية عن لفائها بالرئيس. و قالت بمرارة "إنه لم يرد النظر في صورة كاسي, و كلما حاولنا أن نحدث الرئيس عن كاسي و أن نخبره أننا لكم نفتقده, كان يغير من الموضوع حتى لا نسترسل فيه." و كونت سيدني بعدها منظمة لمناهضة الحرب و تنادي بسحب الجنود الأمريكيين من العراق بأسرع وقت, و طفقت تقول "لقد فقدنا نحن أبناءنا, فلماذا نريد أن نظل ساكنين حتى تفقد أسر أخرى أعضاء لها؟ لا بد لنا من السعي و العمل الحثيث."
و هنا تكمن مأساة الحرب في نظري. فلم يمت في الحرب (خمسة آلاف رجل) فحسب, بل قتل مايكل و له أبن, و قتلت إيميلي و لها أخت, و قتل جاشوا و له أم, و فٌقدت كارولين و لها ابنة. إن أرقام القتلى و الجرحى و إحصاءات الحرب هي في حقيقتها أسماء لناس كانوا بيننا من لحم و دم و لهم أهل يحزنون عليهم و يبكون. أذكر أن قتلى العراق كانوا يذكرون كل يوم في الأنباء و لكن بلا سيرة أو اسم, حتى قررت قناة (إن بس سي) الامريكية أن تحيد عن ذاك المتبع, و أذاعت لأول مرة أسماء الجنود مصحوبة بصورهم و أعمارهم و توقف المارة. وحدق الجميع أمام شاشات التلفاز و تجمدوا.
ما فعلته قناة (إن بي سي) كان ببساطة محاولة لرسم واجهة إنسانية لقتلى ظلوا مجرد أرقام في ذهن المواطن الامريكي لفترة طويلة, و الإنسان بطبعه يتعاطف و بكل مشاعره مع مأساة بشر مثله متى ما خرجوا من قوقعة الإحصاء. فالقتلى و المشردون في دارفور ليسوا هم اثنين مليون فحسب, بل هم أناس لهم أسماء, و لكننا لا نزال نجهلها. لا نعرف فاطمة و متى فقدت ابنها و لم نر موسى و هو يهرب محاولا أن يحمي إبنته من الرصاص المتطائر. لا نعرف كيف فقد محمد صديقه و لا ندري كيف نتخيل زهرة و الدموع على خديها و لم نستطع أن نسمع قصتها. و لعل هذا دور الإعلام الحر, فالمعلومات التي تتوفر للمشاهد و المواطن العادي تجعله يشعر كما و أنه يعيش الحدث و يكون من خلاله فكرة واضحة عما يجري بأرض الواقع.

الأربعاء، 5 مارس 2008

القضية أكبر من أبي ..

صباح مشرق جميل, ظهرت الشمس اليوم على غير عادتها. فحتى أيام قليلة كان الجليد لا يزال يتساقط. ضحكات هاشم و شهاب أبنائي الصغار تملأ البيت برغم البكور. أمسكت بأيديهم الصغيرة و وضعتهم في العربة متجهين نحو المدرسة, و هم لا يزالون يلهون و يلعبون. وصلت, و قبل أن ألدف إلى المدرسة رن هاتفي. رقم يبدو أنه من السودان, حسبت فرق الوقت على عجالة, ترى كم هي الساعة هنالك الآن؟ رفعت السماعة سريعا قبل أن تفوتني المكالمة, صوت أختى تحيني و تخبرني على عجالة بأن أبي قد تم إستدعاءه للتحقيق معه.
توقفت لحظتها و حماسي لليوم المشرق قد بدأ يفتر, و سألتها عماذا التحقيق و لماذا, و هي لا تعرف غير أن هنالك شكوى قدمتها القيادة العامة للقوات المسلحة ضده بسبب كتابته لمقال"الجيش السوداني خمسون عاما من السياسة: تأملات مهنية فى إنفجارات السبت" و كان المقال قد نشر بصحيفة الأيام يوم الخميس الموافق 19 أبريل. و قد حلل الكاتب في ذلك المقال أحداث السبت و تعرض لأن هنالك روايتان لنفس الحدث, رسمية و شعبية. و فند الدعاوى التي وردت في التصاريح الرسمية من وجهة نظر مهنية بحسب خبربته السياسية و العسكرية. و إذا بقضية ترفع ضده بسبب ذلك المقال و السبب كما ورد في بيان صحافي للتحالف الوطني السوداني هو أن القيادة العامة للقوات المسلحة قد إعتبرت أن المقال فيه إنتقاصا لهيبتها مطالبة بتعويض قدره 100 مليون جنيه.
و عشت لحظات قاسية. تواردت على خاطرى لحظتها ذكريات بعيدة لطفلة غريرة طفقت تجري يوم جمعة و تلهو و تلعب. صوت أمي ينادينى أن ألتزم المنزل و أن أكف و أخوتي عن الإزعاج الكبير. أخالنى أراهما الآن, أمى و أبى, و هما ينصتان للراديو محاولان فهم مغزى تلك الموسيقى العسكرية التى تصدر من الراديو. مارشات, تكهنات, توقعات, و جلست على الأرض بجانب رجل أبى محاولة إستيعاب ما يدور حولي. و سمعت البيان الأول يلقيه عليكم "........" أول ما قاله لى أبى "أمشي لأولاد عمتك فى الصالون, و قولى ليهم مبروك عليكم الجبهة مسكت البلد." و جريت بخفة تتناسب و صغر سنى لأجدهم مجتمعين ايضا حول الراديو و نقلت لهم حديث أبي. و لم أكن أعلم أن تلكم الكلمات ستغير مجرى حياتي كلها و تقلبها رأسا على عقب.
و مرت أسابيع بعدها, و صارت ذات الأب معتقل. و مرت بعدها الأشهر لأقضى ريعان طفولتي ما بين المنزل و السجن و أحلام بقسوة العسكر. الخطوات صارت أكثر تؤدة و الحزن بالقلب صار أكبر. أين أبي؟ و لماذا هو معتقل؟ ماذا فعل؟ و ذات الطفلة تسأل, "هل قتل؟" الإجابة بلا. إذن هل سرق؟ الإجابة ايضا بلا. فهمونى إذن, عقلي يريد أن ينفجر. و مابين خواطرى تلك التى تنتابني, إتصلت بأيد مرتجفة محاولة أن أعرف التطورات و ماذا حدث. و خبرتنى أختي بأن والدي بخير و قد تم الإفراج عنه بضمان المحامى و بيدو أن الشكوى ستتحول إلى قضية كبرى و تمضى نحو المحكمة. و تنهدت حامدة ربى على أن اليوم هكذا إنتهى, و أستعد فى الوقت ذاته لجولة نفسية أخرى.
و بالرغم من قضية والدى, و بالرغم من خواطرى تلك, فهذا النقاش ليس عن أبى. و إنما عن قضية أخرى تكبره و تتعداه. إنها قضية جيل بأكمله, نحن الجيل الذى تضرر من الديكتاتوية و من القمع و عانى من ويلات الحروب و آثارها النفسية. قال لي أحد الأصدقاء معقبا على مقالات كنت قد نشرتها بأحد المواقع الإليكترونية متعرضة لحجم الألم النفسي, إن الشعب السوداني غير متعود على حديث المشاعر, و أن المجتمع منغلق لا يؤمن بعرض خلجات النفس و تفاصيل الألم. و صمت قليلا , ثم قلت له " لربما حان الوقت لكى يتعودوا, و لربما حان الوقت لكى نتحدث عن أنفسنا و يجب عليهم أن يصمتوا و أن يسمعوا, لعلهم يعوا."
و لست أول من كتب فى هذا الأمر أو تحدث عنه. فقد كتب د. عبد الله علي إبراهيم من قبل فى مقاله "وجه فى الزحام: غادة عبدالعزيز خالد" و كان المقال إبان محنة والدى و إعتقاله فى دولة الأمارات, و هذه قصة أخرى. كتب د. عبد الله قائلا " جاءت غادة الي زحام السياسة من إقليم الهموم الأصاغر. وربما كان الذي إضطرها الي هذا المركب هو مأزق أبي خالد النادر," و حقيقة قد كان. و تحدث فى ذات المقال عن الإبن أو الإبنة كيف بتأذون من وقع الظلم على الأب أو الأم المعارضة. و لم أكن أنا المثال الوحيد الذى تطرق له د. عبد الله, فقد تحدث عن الأستاذة منى عوض خوجلى قائلا انها بدت له كأنتقوني تطلب الكشف عن مثوي أخيها المجهول حتي يتفق له قبر ظاهر يزار.
و تحدثت الأستاذة منى نفسها عن اللحظات العصيبة التى مرت بها و أسرتها فى الثامن و العشرون من رمضان عام 1990 و هم لا يعرفون لإبنهم النقيب طيار مصطفى عوض الخوجلي مكانا. تقول منى " حـركـة غـير طبيعية في الخـرطوم...المـذياع يعلن ترقبوا بيـان هـام! توتر وترقب, ماذا هنـاك؟ تأخـر مصـطفي في رجـوعه للمنزل.ثـم المـذيع يعلن بيان هـام.ثم نسـمع, تم اليـوم دحض مـؤامـرة. رجـعت مـن العمل لأجـد الجميع في حـالة بكـاء وإرتباك شـديد, أمي وابي في حـالة يرثى لها. كذلك إخوتي و منار و الجيران. سألت بطريقة من يخاف أن يسمع خبر وفاة عزيز لها, فى شنو؟ جـائني الرد مترددا وخـافتا مـن احـدي الجارات "مافي حاجة كـدي اقعـدي. أخوكي مصطفى قبضوا عليه." ثم تعالى البكاء.
و تواصل منى سردها الحزين عن يوم إعدام أخاها مصطفى, و تقول " في تلك الصـالة الطويلة التي جمعتنا في طـفولتنا ومـراهقتنـا وشـبابنا في ايام المطـر وفي شـتاء الخـرطـوم. نفس الصـالة التي شـهدت نقاشاتنا الحـامية وشجـارنا علي الأمكـنة الأسـتراتيجـية, جلسـنا والعديـد من الجـيران معنا ننتظر أطول و أقسى إنتظار. يجلس أبي في السـرير يحـرك صـدره وذراعية للأمـام والخلف في توتر شـديد, ثم يستغفر. ثم يقول, يا رب, ثم يصمت ليكرر نفس الحركات بينما قدميه تتشابكان على الأرض إستدعاءا للقوة و خوفا من الإنهيار. بينما تجلس أمي فى السرير الذى يقابله فى حزن و يدها تضغط على الجانب الأيسر من صدرها و آهاتها المتقطعة لا تتوقف.
توزعنا نحن على باقي الأمكنة, و الكل مصر على أن لا يكون بعيدا عن المذياع حتى بعد أن رفع صوته إلى أعلى مداه. وأنا جالسة على الأرض أمسك إحدى الوسادات أحتضنها و أضغط بها على صدري و بأقصى قوتي كأني أحاول بذلك منع قلبى من شق صدرى و الخروج منه.
مـوسيقي نشـرة الأخـبار..
هـنا أم درمان نـذيع علي حضـراتكـم نشـرة أخـبار الثـالثة التي تأتيكـم من....
وإلي حضـراتكـم بيان السـيد رئيس.....
ثـم سمعنـا....الرتبـة....براءة
التجـريـد مـن الرتبـة...الســجـن لمـدة.......
التجـريـد مـن الرتبـة..الإعـدام
... التجـريـد مـن الرتبـة..الإعـدام...
التجـريـد مـن الرتبـة..الإعـدام
....................
مصـطفي عـوض خـوجـلي
صـراخ شـديد يشق قلب الدنيـا وأطـرافهـا وجـري مفـزوع ومـذهـول للشـارع مـع كـل أهل الإمتـداد آآآآه يا مصـطفى.
و تنهي منى كلماتها و كأن صراخها يدوي فى أذني أنا. قلبي يتقطع يا منى عليك و حاجة جارة و حاج عوض رحمه الله. فقد توفى وفى قلبه حزن لا يبلى. أذكر أن كانت إحتفالات شهداء إبريل بالقاهرة, و كانت حاجة جارة والدة الشهيد مصطفى خوجلى تتحدث و قبالتها حاج عوض. و فى لحظة رأيته و قد رفع نظارته محاولا مسح دمعة إنسابت من عينيه سريعا. و أعاد تلك النظارة إلى مكانها, و لكن رؤيتى له من يومها تغيرت.
و لست أنا و منى فقط الشركاء فى هذه الأحزان. فقد كتبت قصة عن ايمانويل و فرونيكا منذ عدة أسابيع, و هما شابان من جنوب السودان. و تحدث ايمانويل عن بداية الحرب فى قريته و هو إبن ثمانية سنوات. و ما يهمنا الآن قوله أن العديد من أصدقاءه قد قتلوا بالرصاص, و البعض قد أكلته السباع, و تحدث عن الألم النفسي الذى كان يعيشه و الكوابيس التي كانت تعتريه. و ايمانويل هو واحد من الجيل الذى كان صغيرا عندما بدأت الحروب و قاسى من ويلاتها و أحد الذين يطلق عليهم الإعلام الدولى "أطفال السودان الضائعون" و أطلق عليهم هذا اللقب لأنهم عاشوا حياتهم هربا فى الصحاري بلا أم أو أب أو دليل. و إستضافت إذاعة (أن بي آر) الأمريكية المعروفة العديد من الأطفال الضائعون فى برامجها.
من ضمن الشباب الذين إستضافتهم (أن بي آر) كان (ميكتوك). ميكتوك هو واحد ضمن ضمن أربعة آلاف لاجئ تم ترحيلهم بواسطة الأمم المتحدة من مخيمات الآجئين إلى الولايات المتحدة. يقول ميكتوك انه عندما كان فى الحادية عشرة من عمره لم يكن همه اللعب و لكن كان همه فى الحياة أن يظل على قيد الحياة و أن يحمى الأطفال الأصغر منه سنا من أنياب الحيوانات المفترسة. و يشرح ميكتوك انه كان يمر عليهم أسبوع بأكمله لا يذيقون فيه طعم الأكل و يعيشون فيه على بضعة قطرات من المياه فقط. كل شيئ كان جديد عليهم, الكهرباء و الثلاجة. اليوم تعدى ميكتوك الخامسة و العشرين و لكنه لا يزال غير مستطيع أن ينعم بطعم الأمان. و كيف يشعر به و هو يعلم أن غيره فى هذه اللحظات يمرون بنفس الذى كان يمر به. و يتواصل سرد الكثيرين بلا توقف أو إنقطاع.
في إحدى جلسات النقاش بالجامعة التى كنت أحضر بها رسالة الماجستير تحدثنا عن الحرب. و قال البروفيسور ان هنالك دراسة أجريت حديثا مفداها ان كل قتيل او جريح او مفقود فى معظم دول الوطن العربى يحزن عليه على الاقل خمسمائة فرد و يعزى ذلك لكبر دائرة الاهل و لتوثق العلاقات بين أفراد ألاسر. و فى تلك اللحظة حاولت ان احسب أن كم من خمسمائة فى السودان محزونون. المتضررين من حرب الجنوب و الآلآف من أحداث دارفور. مجدي و جرجس, أسر الشهداء, امهاتهم, أزواجهم, أبنائهم, أخوانهم و أخواتهم, زملائهم. و أذكر أن قلت أننى و بهذه الحسبة, فسأجد أن السودان كله محزون. وهززت رأسى محاولة أن أركز لحظتها فى الدرس مع أستاذى.
و تتفاوت درجات الضرر. فمن لم يعتقل والده أو تقتل والدته صار ربما مشردا ينتقل بين عواصم الدول. لكم من شباب و شابات فى عمر الزهور بعدوا عن أحضان الأسرة و تراب الوطن بغية لقمة العيش و الحياة الهنية. و ترتبت على هذه الهجرة الواسعة تبعات كثيرة. إحدى الأسر تزوج أبنها قبال عشرة سنوات من فتاة و سافر بها إلى محل إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية و عاشا عيشة هنية. و لكن أسرة الفتى لم ترى الفتاه غير أيام عرسها, و لم يستطيعا أن يزوروهما هناك أو تعود هى نسبة لمشاكل الإقامة و الورق. و الأسواء من ذاك, أن أبا الفتى نفسه لم يلتقي بوالدة عروس إبنه كل هذه المدة. و صارت هذه الزيجة فى رأى مثال للعلاقات الإجتماعية فى زمان الشقاء و الترحال, بعدما كانت الأسر فى تواددهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد, إذا إشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالسهر و الحمى. و لا ندرى من نلوم. هل نلوم زماننا و ما لزماننا عيب سوانا!
القصد من هذا المقال ليس التباكى على طفولة غائرة, و إن حق لي ذلك. و ليس محاولة لرفع العقيرة بالبكاء, و إن كان الوضع يستحقه. و لكنها محاولة للفت النظر. إن الأطفال الذين عاشوا أوضاع متأزمة بإختلاف أحداثها و درجاتها اليوم هاهم قد كبروا, و اليوم هم يخبرونكم عما حدث لهم جراء ما تفعلون. قرار السجن, التعذيب أو المعتقل تعانى من جراه آلاف الأسر. و نعاني نحن جيل بعد جيل و ندفع الثمن. ماذا فعلنا لأجيال اليوم لنذو عنهم و نحميهم مما حدث لنا و أنا أشعر انها تتبع خطانا ؟ لا شيئ سوى وقفة عاجز و متفرج للحدث. أرقب صور أطفال دارفور و دوما ما أفكر, هذا الطفل بصورته و هو يهز أمه محاولا إيقاظها و قد أغلقت عينيها للأبد و دموعه على خديه, ترى هل سيأتي عليه يوم و يتعافى من أثر ذلك الحدث؟ و تلكم الطفلة, ذات العيون الساحرة, هل تراها يوما تنظر إلى العصافير و هي تغرد فوق الشجر و تنسى أن الدمار و الخراب كان هاهنا يوما؟ لست أدرى. ألم أقل لكم ان القضية أكبر من أبي!


البِكِر ما عوير!

كثيرا ما يجد محدثيني فرصة لإغاظتي عندما يعرفون أنني أكبر من الأخت والأخوين، فتكون أولى كلماتهم بعدها،
-"بالله، يعني أنتي البِكِر؟" وسرعان ما يردفون، ولمحة الخبث تكاد تطل من أعينهم
-"علشان كده؟"
ولا أجد ما أقول سوي أن احلف بالله إنني (ما عويرة)، ولكن بلا فائدة، ولا أدري إن كان ذلك من استمرار المغايظة ومواصلتها، أم هي اقتناعا من محدثيني بحقيقة (عوارتي) بسبب كوني البكر في الأسرة. ولم أكن أدري أن سيأتي الوقت الذي أرد على تلك المغايظات لأثبت لكل مع أغاظني يوما،وبالدليل العلمي، على "أنا البكر، إذن أنا ذكية".
نشرت دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين النرويجيين اهتموا بمعرفة ما إذا كان الطفل الأول أكثر إخوته وأخوانه ذكاءا أم أقلهم. بدأ البحث بقياس نسبة الذكاء في 241,310 رجل نرويجي ممن كانوا قد استدعوا للمشاركة في الجيش ما بين الأعوام 1967-1976, وكان يبلغ عمر المشاركين وقتها ما بين الثامنة عشر إلى التاسعة عشرة عاما. ووجدت الدراسة أن معدل نسب الذكاء لدى الرجال الذين كانوا أكبر أبناء الأسرة قد بلغت 103.2, بينما وجدت الدراسة أن الرجال الذين كان ترتيبهم الثاني بلغ معدل نسب الذكاء 101.2.
وأوضحت الدراسة أيضا أن الرجال الذين كان ترتيبهم الثاني في الأسرة، إلا أن الطفل الذي سبقهم قد توفي صغيرا، قد بلغت نسبة معدل ذكائهم أعلى من نسبة أولئك الذين كان ترتيبهم الثاني، فقد بلغ معدل ذكائهم 102.9, مما يعني، كما ذكرت النتائج النهائية للبحث، أن الطفل الأكبر هو الأكثر ذكاء ليس من ناحية المولد والترتيب وإنما من ناحية النشأة الاجتماعية. والدليل على ذلك أن الرجال الذين كان ترتيبهم الثالث في أسرهم قد بلغ معدل ذكائهم 100, إلا أن نفس أولئك الرجال إن كان الطفل الأول أو الثاني الذي يكبرهم قد توفي صغيرا فإن نسبة ذكائهم وقتها تعادل نسبة ذكاء من كان ترتيبه الثاني في الأسرة.
وذكر تقرير لقناة (أن بي سي) الأمريكية عن هذه الدراسة أن النقاش حول ذكاء الإبن الكبير من عدمه قد ظل مشتعلا ومثار للنقاش بين الباحثن منذ عام 1874، عندما قام السيد (فرانسيس جالتون) بتقديم تقرير يذكر فيه أن معظم الذين يتقلدون المناصب الرفيعة والذين يتمتعون بالمراكز العليا معظمهم جاء ترتيبهم الأول، من حيث المولد أو النشأة، في أسرهم، وأتت اليوم هذه الدراسة لتثبث صدق الملاحظة التي ذهب إليها السير فرانسيس منذ القرن التاسع عشر. وقال (فرانك سولواي) الباحث بمركز دراسات الشخصية والحياة الاجتماعية بجامعة بيركلي الأمريكية، أن السبب لربما يعزي إلى أن الطفل الأكبر يساعد أحيانا الأب أو الأم في تعليم الأبناء الذين يصغروه، مما يعزز معلوماته ويزيد ثقته بنفسه، بينما أصغر الأبناء لا يجد نفس الفرص التي أتيحت لإخوته الذين يكبرونه.
وتذهب هذه الدراسة في اتجاه عكس ذلك السائد في المجتمع السوداني بأن (البكر عوير)، لربما بسبب التدليل الذي يتلقاه الطفل الأكبر في كل أسرة والاهتمام الخاص الذي توليه إليه الأم قبل مولد ذلك الذي يليه. ولكن المفارقة أن نفس ذلك الطفل الذي يوسم بـ (العوارة) في بدايات حياته، يصير هو عميد الأسرة وكبير البيت، والمسئول عنه متى ما كبر. وبالرغم من هذه الدراسة العملية قد تلت كثيرات قبلها، ولن تكون الأخيرة. وبالرغم من أن نتائجها التي توصلت لها قد أعتبرها كثير من المختصين أنها تلعب دورا في فهم الحياة الإنسانية ومراحل تطور العقل، إلا أن هذا لا يعني أن لكل قاعدة، إذا سلمنا بنتائج البحث لتكون هي القاعدة، شواذ. فلم يركز البحث على المسئولية الفردية في التحصيل العلمي وفي القراءة والإطلاع، ولكن لا أخفيكم القول أنني (بصفتي البكر)، سعيدة، جدا، بنتائج البحث!
البت التي لم تخسمنا ..

تِنتِن، اسمها الحقيقي فاطمة و هي صديقة عزيزة لأمي وتزاملتا منذ أيام الجامعة و فرقت بينهما الأيام منذ اوائل الثمانينات. و بالرغم من البعاد إلا أن أمي ما فتئت تذكر صديقتها بين حين و آخر, ونشأت على سيرتها حتى صرت أفكر في تنتن كشخصية خيالية أو مجرد أسطورة كسندريلا و ذات الرداء الأحمر, حتى أتى اليوم الذي إلتقيتها فيه مصادفة و أتضح لي إنها شخصية حقيقة من لحم و دم. كانت دوما ما تقول لي أمي أن أجمل القصص التي سمعتها منها مما حكته لها فاطمة ذات يوم. و في أحد المرات قصت عليها فاطمة عن عادات في منطقة ما من مناطق السودان. فما أن تضع ربة المنزل الأكل في الصينية, تقف (و لا تجلس) أمام الضيف, و تبدأ (الخسيم)
ما أكلتي، أكلى-
الرسول، يجافيك، إبدا المسخة فيك -
و تواصل سيدة المنزل (الخسيم)
يباردك المصطفى، يمرقك من الصف-
يدرشك, يسوي ليك حلقة (مرض جلدي) تكرشك-
و ظلت تنتن حضورا على خاطري كلما أتعرض لموقف فيه (خسيم) و إصرار ثم (حلفان). زرت صديقتي بعد خروجها من المستشفى و بيدها طفل صغير. وكانت والدتها الحاجة حضرت من السودان للمشاركة في عملية الترحيب بأول حفيد. و بدأت رحلة العزائم و (الخسيم)،الحاجة
- عليك الله أشربي!
-ما كملتي!
-أجيب ليك حاجة تانية؟
- عليك الله, عليك الله! و نظرت صوب صديقتي بحيرة فبادرتني مبتسمة
-ما تستغربي, إحنا المعاها في البيت بتخسمنا.
وذكر أحد الأصدقاء ذهابه إلى عزاء مع جدته. و بعد خروجهما علم أنها جائعة و تعبة جدا, فسألها مندهشا
- نحن ختوا لينا الغذاء, إنتوما ختو ليكم الأكل؟
أجابت الجدة حفيدها بنعم, فسألها محتارا
- "طيب ليه ما أكلتي؟"
فاجابته و الجدية تبدو على قسماتها:
-ما خسموني
و لا أدري من أين أتت ثقافة (الخسيم) تلك, و إصرارنا عليها ضيوفاً أو مضيفين. حتى صارت الأساس و نقطة الإنطلاق نحو ما يقدم إلينا من أكل أو شراب. إبان إقامتنا بالقاهرة حضرت إحدي الأسر من الولايات المتحدة الامريكية لتستقر بجمهورية مصر العربية فترة من الزمن حتى يتعلم فيها ابناؤها اللغة العربية بعدما صارت دخيلة عليهم بسبب ولادتهم و نشأتهم بامريكا. و ذهبنا لزيارة تلك الأسرة و إبداء مشاعر المودة تجاهها و لا سيما أن لديهم إبنة تقاربني وأختي في العمر. جلسنا أنا وأختي وبنت أمريكا في غرفتها نتحدث بعربية ركيكة من جانبها "إنته واحد مش بيقعد كويس" وإنجليزية "دونكي مي رايد يو" من جانبنا. و بدينا كما وقد اتصل بيننا حوار (الطرشان). و بعد لحظات مثيرة و مليئة بالضحكات على الموقف العجيب جاءت الفتاة تحمل (صينية) الشاي فوضعتها قبالتنا صبت الشاي من البراد و مدت لنا أكوابه مخلوطا باللبن في أكواب صغيرة من ذوات الأذن الصغيرة.. و تناقلت الأكواب أيدينا و ألسنتنا تتمتم بكلمات الشكر لها, و ظلت صناديق (البسكويت) الصغيرة طريحة الصينية أمامي أنا وأختي تنظر إلينا و ننظر لها و لا نمتلك الجرأة على تناولها. و لربما شعرت الفتاة (الامريكية) السودانية بتلك الخواطر, فإلتقطت الصندوقين ومدتهما لنا بصورة عملية ونهائية. فارتبكنا. وامتنعنا عن أخذهما بطريقة إمتناعية تقليدية.
فما كان من بت أمريكا إلا أن هزت كتفيها بلا مبالاة وقالت: "أوه، يو دونت وانت إت" ووأعادت وضع صندوقي البسكويت حيث كانا بالصينية. و بدأنا أنا و أختي في إسترقاق النظر إلى بعضنا البعض و نتحكم في ضحكات ستجلجل إذا أطلقنا سراحها. "منو القال ليك ما عايزين البسكويت؟ هو في زول يابا البسكويت مع شاي اللبن؟ إنتو الخسيم ما درسوكم ليهو؟" ولم نرفع أعيننا عن قطع البسكوت العائدة إلى مواقعها بأمان بين الأكواب و (السكرية) و براد الشاي. و خرجنا من منزل الاصدقاء و انا أمسك بيد اختي بما يشبه التضامن على الصبر على سخرية الموقف حتى تيقنا من اننا إبتعدنا و وانفجرنا بالضحك. لم نعرف يومها كيف فلت منا ذلك البسكويت بين امتناع البت الأمريكية عن الخسيم وخشيتنا أن لا نمد ايدينا إليه وأخذه في محاولة لإصلاح خطأنا. فالفتاة بالرغم من سودانيتها إلا انها امريكية النشأة و الطباع و لا أظنها كانت ستعبأ بأن إلتقطنا تلك القطع أو تركناها و لكنه طبع صار بداخلنا إلا نمد أيدينا على الشيئ حتى ندعو له بإلحاف. وخرجنا من المولد بغير بسكويت مثل جدة صديقي. وكلنا كالعير يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول.
وغدا إذا مددت لي إكراماً يوما بالله خسمني . . بلا زعل.

الاثنين، 18 فبراير 2008

كرة تتدحرج... نحو عام جديد!
مطلع العام الجديد... الدقائق تجري سريعة بعد أن كانت الأشهر تمشي الهوينى... حوالي المليون شخص يتسكعون بين طرقات مدينة نيويورك ويزحمونها... وكلهم متواجدون ليشهدوا الحدث... ولينظروا بأم عينيهم احتفال مدينة نيويورك ببداية العام الجديد. يرجع احتفال مدينة نيويورك بميلاد السنة الجديدة إلى عام 1907، وذلك بتصنيع كرة كبيرة تزن أكثر من 700 رطل وتنيرها حوالي 100 (لمبة)، وترفع الكرة إلى ناطحة سحاب في ميدان التايمس ويطلق لها العنان قبل دقيقة من ميلاد السنة الجديدة وترتطم بالأرض متفجرة ومعلنة مقدم السنة التالية... يتبادل وقتها الأصدقاء والأهل التهاني والأمنيات بسنة جديدة... عطرة ومديدة. احتفلت مدينة نيويورك في الحادي والثلاثين من ديسمبر بمطلع سنة 2008، الذي تزامن بمرور 100 عام بالتمام والكمال على احتفال إلقاء الكرة. وقامت مدينة نيويورك بإدخال بعض من التعديلات الفنية على الكرة خلال السنين.. فصارت مكونة من الكريستال تضيئها أكثر من تسعة آلاف (لمبة) يشكلون أكثر من ستة عشرة مليون لونا وحضر الاحتفال حوالي المليون شخصا بينما شاهد الاحتفال على التلفاز أضعاف هذا الرقم. وتمضي سويعات الاحتفال ولحظاته تاركة كل منا مع أفكاره، أهدافه، أحلامه وآماله التي يطمح لتحقيقها في العام الجديد ومع عاداته التي لربما يمني نفسه بتغيرها في خلال العام الجديد. وخرجت كاميرات البرامج التلفزيونية إلى الطرقات متسائلة عن التغيرات التي يرغب الإنسان الأمريكي في مشاهدتها تسري في حياته خلال العام الجديد. شابة ذات ملامح صغيرة بسيطة أجابت ببسمة "أريد أن أواصل تعليمي وأتمنى أن أستطيع التخرج من الجامعة،" رجل أجاب وهو يحمل كوب القهوة ويتحرك على عجل "أتمنى أن أجد وقتا لأقضيه مع أسرتي،" أخرى كل ما تريده أن تستطيع التمتع بصحبة صديقاتها،وأخرى تتمنى السفر خارج الولايات المتحدة والتعرف على ثقافات مختلفة. رجل يرتدي جاكتة وقبعة متهالكة أجاب "أريد أوفر بعض من المال حتى يرتاح بالي ولا أقلق من ندرته ، وقال آخر بنبرة كانت أقرب إلى السخرية.. "أريد أن أصير مليونيرا!"وقام معهد دراسات الرأي ببحث عن الأشخاص الذين قاموا بوضع قائمة توقعات في ديسمبر 2006 وحاولوا مقارنة نتائجها في ديسمبر 2007 لمعرفة مدى تمسكهم بأهدافهم. ووجدت الدراسة أن بعد مضي العام، 50% من كل الأشخاص الذين وضعوا أهدافا لم ينجحوا في تحقيقها.. بينما قرر 75% منهم وضع ذات الأهداف في خطتهم لعام 2008 ونسبة الـ25% الباقية قررت ترك أهدافها التي وضعتها في ذات يوم خلف ظهرها وبدون العودة إليها مرة أخرى.يقول الطبيب النفسي جيفري غاردير "أنه من الضروري على كل شخص أن يضع أهدافا للعام الجديد، فها هو عام قديم مضي وآخر قادم، فأخرج ذلك الشخص الطيب الموهوب بداخلك." تقول أرجي ايلين المعالجة الأسرية أننا عندما نضع أهدافا لتحقيقها فلا بد أن تكون موضوعية وداخل نطاق اهتمامنا لكي ننجح فيها. وأتفق الطبيب والمعالجة الأسرية أن يجب أن نفكر في التغير بصورة إيجابية بعيدة عن السلبية وأن ندرك أن كل قرار وهدف نضعه قد يؤثر على حياة أناس آخرين!
ويأتي العام الجديد وكلي أحلام بغد أفضل، آمال بأيام أجمل، وأمنيات بأن يحقق الله لكم جميعا ما أردتم!

الأحد، 17 فبراير 2008

الحسنة تتبعها الحسنة!

دلفت «ماليسا أكزار» إلى عملها بكافتيريا «لوبي» بولاية تكساس، وألقت تحية على زملائها في العمل وهي تضع حقيبتها جانبا وترتدي مريلتها. ثم حملت النوتة والقلم وبدأت جولتها ما بين طاولات الكافتيريا. ابتسامة مشرقة معلقة فوق شفتيها وهي تتلقى الطلبات، تهرع إلى المطبخ وتعود محملة بالأطباق وأكواب من العصائر أو المياه. وفتح باب الكافتيريا ليدخل منه «والتر سواردس». نظرت ماليسا إلى ساعتها وابتسمت... فها هو والتر يلج إلى الكافتيريا في ذات الميعاد الذي تعود عليه. والتر رجل في التاسعة والثمانين من العمر وجندي سابق في الجيش الأميركي... شارك والتر في الحرب العالمية الثانية، وكان صعبا وصارما.جلس والتر، كعادته، في طاولته التي ظل يحتل مقعدها خلال السبع سنوات الماضية. وكالعادة أيضا تهربت منه جميع الجرسونات ما عدا ماليسا. فقد كان كثير التذمر ولا يعجبه «العجب». يأتون له بالطعام فيصيح فيهم بأن الأكل ليس حارا كما ينبغي، ويحتارون فيم يفعلون. فكل طعام له درجة حرارة معينة تقدم بها، وإذا ما ارتفعت تعرض الزبون لحرق في اللسان أو الشفاه. ويخاف أصحاب الكافتيريا من القضايا التي يمكن أن يرفعها عليهم الزبون إذا ما تضرر من أكل أو شرب. ويغضب والتر، وتقترب منه ماليسا وهي تحاول أن تشرح له الموقف بابتسامة ولين، ولكن والتر ليس راضيا بل مصراً على طلبه. وتحاول ماليسا إرضاءه بسحب الطبق من أمامه وتسخين طعامه، ثم تعيده له مرة أخرى محذرة إياه بأن الطعام قد يحرق شفتيه. ولا يبالي والتر ويلتهم طبقة في دقائق معدودة.ولا ينتهي التعامل مع والتر بتسخين طبقه، فقد يهتف مناديا بقهوته. وإذا ما تأخرت عنه ماليسا لثانية يرفع صوته عاليا، بل ولا يتوانى أحيانا في توجيه السباب لها. وتأتي ماليسا وهي لا تزال مبتسمة مناولة له قهوته التي تعودت أن تكون أكثر «سخانة» من طعامه. ويتناول والتر الكوب من يدها، وبدلا عن كلمات شكرها يظل «يطنطن» بأن قهوته تأخرت. ويطلب كوبا من المياه من ماليسا ويشيعها باللعنات ... وإذا ما توانت يحيطها باللعنات وهي لا تنبس ببنت شفة. وظلت ماليسا تخدم والتر بإخلاص في خلال السبع سنوات، وهي تعامله برفق ولا ترد على إساءاته المتعددة وسبابه ولعناته، بل تقابلها بابتسامة من جانبها.وجاء اليوم الذي لم يظهر فيه والتر في الكافتيريا، نظرت ماليسا إلى ساعاتها وهي مستعجبة. أنها لم تره في موعده المضروب، وفكرت أنه لربما تأخر. ولكن والتر لم يظهر لخمسة أشهر كاملة، ظنت فيها ماليسا أن والتر ارتاد كافتيريا أخرى، حتى أتى ذلك اليوم الذي دلف فيه أحد الأشخاص إلى الكافتيريا. كان ذلك الشخص يرتدي بدلة كاملة وربطة عنق، ويحمل في يده شنطة سوداء صغيرة، وبدلا من أن يجلس على طاولة من الطاولات ليطلب الطعام، طالب برؤية ماليسا، وصافح يدها معرفا نفسه بمحامي الأستاذ والتر. وأخبر المحامي ماليسا أن والتر قد فارق الحياة منذ شهر يوليو، إلا أن وصيته لم تفتح إلا أخيراً. وقد ترك فيها لماليسا خمسين ألف دولار، بالإضافة إلى عربة في حالة ممتازة. وترقرقت عينا مليسا بالدموع وقالت «أكاد لا أصدق، أنه رجل كريم». حقيقة، أن الحسنة تتبعها الحسنة، والكلمة الطيبة كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
يا كافي البلا ... حتي انت يا اوهاما

مدينة أوماها مدينة صغيرة بولاية نبراسكا التي تقع في منتصف خارطة الولايات المتحدة الأميركية، تحتل الجامعة جزءاً لا بأس به من المدينة ويملأ الطلبة طرقاتها، وكنت أنا منهم، وقع اختيارنا على مدينة أوماها لأسباب كثيرة، أهمها الأمان ونسبة الجريمة المتدنية بها. لم يسمع بأوماها الكثير من أصدقائي قبل أن أرتحل إليها، فكانوا يسألونني «إنتي حتكوني وين في أميركا؟» وأجيبهم «أوماها». فيصلني الرد سريعاً وفي غضون لحظات «مافي حاجة نسمها أوماها.. والله دي ألفتيها في مكانك دا.. يكون قصدك أوكلاهوما». ولم يكن السودانيون الوحيدون في هذا الأمر، فحتى الأميركيون كانوا يحتارون في الذي (ودانا) لأوماها، تلك المدينة المغمورة النائية. قال لنا أحد الأميركيين ساخراً منا: «مررت بسيارتي عبر أوماها من قبل، ولم أرّ سوى بضع شجرات متناثرة هنا وهناك وكثير من البقر»، مشيراً بذلك إلى طبيعة البلاد الريفية.وقضيت بين ربوع أوماها ثلاث سنوات درست خلالهن في جامعتها حتى تخرّجت بشهادة في الصحافة والإعلام. وكنت أعمل بمجمع تجاري أهرع إليه بعد نهاية اليوم الدراسي حتى أغلق أبوابه في التاسعة مساءً وأقوم (جارية) لمنزلي بعدها كي أستذكر دروسي وأتم واجباتي وأستعد لامتحاناتي، كونت بأوماها صداقات عديدة، وما زلت على صلة ببعض معلماتي، فكل من التقيت به فيها كان صافياً، بسيطاً، ونقياً، وأحببت أوماها بالرغم من قلة حجمها وشح النشاطات التي يتاح لنا نحن الرافدين من الثقافات المختلفة المشاركة فيها والاستمتاع بها. كانت صديقتي المقرّبة تمني نفسها بيوم تفارق فيه أوماها بلا عودة، فقد سئمت منها. والحق يقال إن المدينة تخضع لهدوء وسكون عجيبين. وكنت أنا متصالحة مع بذلك السكون وراضخة له، وتقول لي صديقتي مغتاظة مني «أنت أكيد ما طبيعية!» وأضحك عليها.. وشاءت الظروف أن أتزوّج وأفارق أوماها الوديعة وأترك صديقتي خلفي (تلعن) هدوء أوماها وسكينتها لخمس سنوات أخر.وأتى يوم الأربعاء، الخامس من ديسمبر 2007، ليكون التاريخ الذي أفسد أجواء أوماها الطيبة، وهو يوم عبوس سيخلّد في ذاكرة المدينة الهادئة، فقد قام شاب في التاسعة عشرة من عمره واسمه (روبرت هاوكينس) بالولوج إلى ذات المجمّع التجاري (ويست رودس) الذي كنت أعمل به، بل وذات المحل (فان ماور) الذي كنت أقضي فيه بعض ليلي وكثيراً من نهاري. وقام روبرت باستخدام المصعد الكهربائي، واستقله حتى الدور الثالث للمحل وفي يده بندقية، وما أن بدأت أبواب المصعد تنفتح حتى (انفتحت) بندقية روبرت فأطلق الرصاص وأصاب ثمانية أشخاص داخل المحل أرداهم قتلى قبل أن يدير المسدس نحو نفسه ويطلق الطلقة الأخيرة التي رقد بعدها على الأرض بلا حراك.وفي ثانية تغيّر مجتمع أوماها الآمن.. تجمّعت سيارات الشرطة والإسعاف أمام المجمّع التجاري وصارت المدينة والمجمع التجاري، مراتع شبابي، على لسان نشرات الأخبار، وأصبح روبرت حديث الجميع. وذكرت الأنباء أن روبرت يعاني من الاكتئاب وتعرض لهزات نفسية شديدة مثل طرده من المدرسة الثانوية التي كان يدرس بها وفصله من محل (ماكدونالدز) في ذات اليوم الذي أطلق فيه الرصاص بسبب سرقته لمبلغ سبعة عشر دولاراً. وخاض الإعلام في مشاكل روبرت الأسرية والعاطفية التي ساقته إلى أن يقرر أن موت الجماعة عرس. وترك روبرت لوالدته رسالة يعتذر لها فيها مقدّماً على الانتحار ويقول لها «من بعد اليوم سأكون شهيراً، وسأستطيع أن أغادركم بطريقة فريدة». كتبت صحيفة المدينة الرئيسية (أوماها هارولد) في المانشيت الرئيسي معبّرة عن صدمتها الكبرى بأربع كلمات فقط «لقد ذقنا الكأس المر!».
ويا كافي البلا وحايد المحن! حتى أنت يا أوماها.

الثلاثاء، 12 فبراير 2008

البترول.. بمشي وين..؟!


يعاني المواطن الأميركي و«يشيل الهم» في كل مرة يظهر مؤشر العربة نقصاً في البنزين. هذا معناه أنه مطالب بمزيد من السائل الأسود قبل أن يلمس المؤشر ذلك الخط الأحمر، فجالون البنزين وصل لمعدل عالٍ هذه الأيام، لدرجة أثرت بصورة مباشرة على «جزلان» المواطن الأميركي. فالولايات المتحدة تستخدم «21» مليون برميل من البترول، وهو ما يعادل ربع استهلاك العالم يوميا. وتصب تكاليف شراء البنزين في خزانة الدول المصدرة للبترول، مثل المملكة العربية السعودية وإيران. وهي دول يصورها الإعلام الأميركي باعتبارها مصدر تهديد لأميركا، خاصة أن عدداً لا بأس به من منفذي عملية الحادي عشر من سبتمبر حاملين للجنسية السعودية. وبدأ الكُتاب، مثل «توماس فريدمان» صاحب العمود الراتب بالنيويورك تايمس، يكتب أن كل أميركي يقوم بشراء السيارات الكبيرة ويستهلك الكثير من البنزين، فهو في الحقيقة إنما يقوم بمساعدة أعداء بلاده ويدعم الإسلام والمنظمات الإرهابية.وقالت «كارين ويل» المسؤولة في معهد الدراسات الطبيعية، إن من واجب الحكومة الأميركية التحرك لسن قوانين تجبر شركات السيارات على تقليل البنزين الذي تستهلكه العربة. وذكرت أن ترشيد الوقود واجب وطني لكل أميركي غيور. وازداد الحوار عن أهمية فطام أميركا من البنزين، حتى أن الرئيس جورج بوش في خطاب للشعب الأميركي، ذكر أن الولايات المتحدة معرضة لكثير من المخاطر بسبب استيراد البترول من مناطق «غير مستقرة» داخليا.وتمر الولايات المتحدة الأميركية في هذه الفترة بأكبر أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث، فالشركات تتعرض للخسارة وتقلل من عدد موظفيها الذين يتحولون الى عالة على ضمان الحكومة الاجتماعي. ويمتنع المستهلك بالتالي عن الإنفاق على المشتريات المختلفة، وتخسر المحلات التجارية والمطاعم التي يقرر معظم الناس الابتعاد عنها، والاكتفاء بشراء احتياجاتهم الأساسية فقط. وتعمقت المشكلة لتمتد إلى قطاع المباني الجديدة التي باتت «راقدة» في السوق، لا تجد من يعيرها نظرة ناهيك عمن يشتريها، حتى أن أرقام المبيعات في خلال شهر أغسطس 2007م، وصلت الى أقل مستوياتها منذ عقد كامل. أما المنازل «المبنية» الجاهزة، فالعرض في السوق يفوق الطلب بسبعة أشهر عجاف، أي لو بدأت المنازل المعروضة تباع اليوم بذات المعدل، فستأخذ سبعة أشهر كاملة لكي تباع كلها. وستضطر البنوك بالتالي إلى انتزاع المنازل من أصحابها لديونها عليهم، متى ما لم يسددوا الأقساط، مما سيؤثر بصورة حادة على المستقبل الاقتصادي الأميركي. فحتى الرئيس تدخل ليجبر البنوك على تجميد الأرباح لمدة خمس سنوات، في محاولة لتلافي «البلا» قبل وقوعه.وأثرت المشاكل الاقتصادية المتعددة في سوق البورصة الأميركية وعلى الدولار في السوق العالمية. وبذلك وجدت الدول الأجنبية فرصة عظيمة لدخول سوق الولايات المتحدة، منتهزة فرصة ضعفه التاريخي. فقامت الأمارات العربية المتحدة بشراء «800» شركة أميركية كانت معرضة للإفلاس، علاوة على قطع أراضٍ ومنافع كثيرة. وفرح سوق البورصة بهذا الخبر، وشهد انتعاشا في ذلك اليوم، فكل بليون دولار تعادل عشرة آلاف وظيفة أميركية. وبعد أن عملت الأمارات على تنمية بلادها، بدأت تخط أرجلها في أوكار لم تستطع دولة عربية قبلها أن تطأها، وهذا حري بتغيير موازين القوى في العالم.دحين يا جماعة الخير، مش كانوا قالوا إنو عندنا بترول؟!
أكثر من اتجاه ..!!

ليلة الثلاثاء الثالث عشر من مارس 2006م، اجتمع فيها مجموعة من طلبة جامعة «دوك» العريقة ولاعبي فريقها «لاكروس»، لكرة القدم الأمريكية. كانت الأيام أيام تحصيل ولكن قرر هؤلاء الطلبة أن يلهوا فتجمعوا في منزل كابتن الفريق.. قاربت الساعة منتصف الليل، ولعبت الخمر بالرؤوس. وقرر بعض اللاعبين أن يعيثوا في عبثهم، فقاموا بالاتصال بشركة خدمة توفيرالراقصات للحفلات، وطالبوا بفتيات من ذوات البشرة البيضاء لحفلهم. وأرسلت الشركة فتاتين ولكنهما سوداوان. وغضب اللاعبون وتوقف الرقص بسبب بعض الملاسنات بين أحد اللاعبين والراقصتين، وقام اللاعبان «سليجمان» و«فينرتي» بالتسلل خارج الحفل واستقلا تاكسيا إلى ماكينة السحب البنكي لسحب بعض المال منه... ثم ذهب بهما نفس التاكسي إلى مطعم للوجبات السريعة، حيث قاما بشراء الطعام، ثم أوصلهما ذات التاكسي إلى الجامعة. وعادا إلى غرفهما في السكن الجامعي.أما في الحفل فقد ازدادت المشاحنة بين اللاعبين والراقصتين اللتين ذهبتا غاضبتين من الحفل بدون أن يدفع الطلبة لهما أجرهما. وبعد عدة ساعات، قامت إحدى الراقصتين واسمها «مانكوم»، بإخطار البوليس أنه قد تم اغتصابها خلال الحفل بواسطة عشرين لاعبا من فريق «لاكروس»... وأكدت أن مغتصبيها كانوا ذوي بشرة بيضاء. وبدأت الشرطة بالتحقيق، فتم نقل المرأة إلى المستشفى لإجراء بعض الفحوصات، وطالب البوليس الطلبة بعينة من منيهم لإجراء اختبار الحامض النووي.ولقيت هذه القضية الكثير من الاهتمام، فالطلبة لونهم أبيض والفتاة التي تم اغتصابها لونها أسود. والطلبة من أسر عريقة وأعضاء في أرقى الفرق الرياضية والفتاة راقصة فقيرة، الطلبة تنتظرهم وظائف راقية والفتاة جوالة تطلب الرزق بين طرقات نورث كارولينا وحفلاتها المخمورة. وقامت جماعة تعرف باسم «النمر الأسود» بتنظيم مظاهرة أمام مبنى جامعة دوك احتجاجا على قيام طلابها «البيض» باغتصاب فتاة «سوداء»، واستعرت في لحظات الحرب العرقية في المدينة وتحورت القضية من الاغتصاب إلى مناقشة النزاع العرقي الاجتماعي التاريخي في البلاد. وقام المحقق بالقبض على أعضاء فريق لاكروس « سليجمان وفينرتي وأفانس». وبدأت وسائل الإعلام تحقق في القصة وتحللها. ومن الجهة الأخرى قامت الراقصة بتغير أقوالها حتى قالت إن من اغتصبها هم خمسة لاعبين بدلا عن العشرين جميعاً. وكانت مانكوم قد أكدت في التحقيقات الأولية أن المعتدي عليها كان لديه شنب بينما اللاعبون المتهمين كانوا حليقي الشنب. أما اختبار الحامض النووي فقد أتى بنتائج سالبة. وجد المدعي العام من الروايات التي قصتها مانكوم، أن المتهمين «سليجمان وفينرتي» لم يكونا حتى موجودين بالحفل وقت وقوع الاغتصاب المزعوم. فقد أثبتت الكاميرات أعلى ماكينات السحب البنكي وجود الطالبين هناك وهما يسحبان الأموال، وثبت أيضاً عدم حضورهما الاغتصاب المزعوم عن طريق إيصال مطعم الوجبات السريعة، بالإضافة إلى شهادة سائق التاكسي الذي كان مع المتهمين طوال تلك الفترة. واتضح أن السائق سوداني الجنسية، ووافق على الإدلاء بشهادته بالرغم من تهديدات القتل، حتى أن مجلة «الريدرس دايجست» رشحته ليصير شخصية لعام 2008م لشجاعته الأدبية. ولما انهارت أركان الإدعاء في القضية، قام المدعي العام في الحادي عشر من أبريل 2007م بعقد مؤتمر صحفي أعلن فيه براءة الطلبة.لقد أطلقت مانكوم رصاصات الاتهام ظلما وبهتانا وأشعلت حربا حرقيا، ولكنها أثبتت أيضا أن العنصرية وحش غريب. فقد تعود العالم على أن الرجل أو المرأة البسيطة السوداء هو المجني عليه، وأن الأبيض الغني هو الجاني. وبذلك صدق الجميع مانكوم، وأدان الطلبة البيض بسبب خلفيتهم العريقة. ولم ينهض اتهام البيض على دليل، وإنما هو مجرد فرية أثبتت أن العنصرية طريق له أكثر من اتجاه.
المرأة والطوق الآخر


كنا مجموعة من الصديقات نرتقي بصعوبة سلم المرحلة الثانوية، فها هي السنون تمضي بنا بطيئة. كنا نأمل بسرعة إقبال المرحلة الجامعية لنكبر ولنحاول الوصول إلى أحلامنا. فمنا من كانت تأمل بدخول كلية الطب وتصير «دكتورة» أطفال. ومنا من كانت تُمني نفسها بمجال الاقتصاد، وبأن تصير يوماً سيدة أعمال وتمتلك من المال القدر الوفير، وكنت أنا أحلم بالصحافة والإعلام. وبينما نحن نتناقش في أحلامنا تلك وآمالنا المستقبلية «العريضة». وكانت إحدى الصديقات تنظر إلينا في جلستنا تلك وتجيبنا قائلة:-أنا بس أخلص الثانوي ده، وأتزوج وأنجب أطفالاً، ثم أفني حياتي في تربيتهم.وكان تعليقها ذاك يثير عاصفة من النقاش، ما بين معترضة على قولها ذاك متحججين بأنها، أي الصديقة، ذكية ولماحة فلماذا تريد «القعاد» في البيت لإنجاب وتربية الأطفال، والأهم أن في حلمها بالزواج ورعاية الأطفال إنقاص من قدر المرأة ومن جهدها الذي بذلته في خلال العقود الآنفة من أجل التملص من قبضة الرجل القوية. وكان الرأي الآخر، الذي أقوده، أن من حق المرأة أن تقرر مصيرها، سواء أرادت البقاء في المنزل أو الخروج إلى العمل، وأن من أهم إنجازات المرأة في العقود السابقة، هو إعطاؤها الحرية لكي تقرر مصيرها كيفما تشاء، لا لتغصبها على المسير في طريق أرادته لها.ولم يكن النقاش فيما يبدو حصرا على مجموعتنا تلك، ففي خلال السنوات الماضية وفي تتبعي الذي لا ينتهي لوسائل الأعلام والبرامج الإخبارية، رأيتها امرأة جميلة في برنامج تلفزيوني، وعرفت من خلال اللقاء معها أنها محامية تركت مجال عملها الذي نجحت فيه حالما أنجبت أطفالها، وهي تظن أنها تؤدي لأسرتها وللمجتمع خدمة بوضعها أطفالها في حدقتي عينيها. وقالت المحامية إن ما كان يصدمها هو أول تعبير يصدر حالما يعرف المحاور أنها تركت مجال المحاماة، وهو ركب صعب الانضمام إليه في الولايات المتحدة، فهو يشمل ثماني سنوات من الدراسة، بالإضافة إلى عدد من الامتحانات المحلية والقومية، من أجل البقاء مع الأطفال والتحول لربة منزل كل همها هو صنع الغذاء وتسبيك وجبة العشاء وتغير حفاضات الأطفال. وتقول المحامية، وليتني احتفظت باسمها أو اسم البرنامج، إن أكثر ما كان يضايقها في قرار البقاء في المنزل، هو تلك النظرة التي تطالعها وتقول لها:- «لماذا البقاء في المنزل وأنت ناجحة في عملك، وتستطيعين كسب أموال كثيرة؟».وكأن المرأة التي تفضل البقاء في المنزل ناقصة عقل وموهبة، فمن الذي يقدر ما هو الأفضل للمرأة؟ من الذي يقرر أو يفترض أن المرأة طالما هي ذكية وصارت متعلمة، فعليها واجب وضريبة لا بد أن تؤديهما للمجتمع بطريقة تتماشى والنظرة أو الحركة النسوية. إن من أولويات المجتمع إعطاء المرأة الحق والقدرة على الاختيار، فمن حق المرأة أن تقرر العمل إذا ما شعرت أنها تحقق ذاتها من خلاله، ومن واجبات المجتمع والدولة مد يد العون الاقتصادي لكل أسرة لا ترغب المرأة فيها بالعمل، وتقرر البقاء بجانب أطفالها ب..
المقابل..
تقول باربارا هاريسون:-
أنا أرفض الاقتراح بأن تداول النساء لوصفات الطعام هو أمر سخيف، فصينية الطعام لا تقل أهمية عن أسعار بورصة الأسواق والشركات.
النشيل الصبر!

(جينا)، مدينة صغيرة بولاية لويزيانا الأمريكية... في أحد أركانها تقبع مدرسة جينا للتعليم العالي التي أنشئت في عام 1920 ويبلغ عدد طلابها الـ 538 طالبا... 85% من مجموع الطلبة ذوي بشرة بيضاء... بينما لا تزيد نسبة الطلبة السود بالمدرسة عن الـ 10%. غرست أدارة المدرسة، منذ عشرون عاما، في (حوشها) شجرة أسمتها شجرة المعرفة... فنمت وترعرعت في خلال العقدين الماضيين وصارت تحتضن تحت ظلها الطلبة البيض الذين يلجأون إليها في عز الهجير وتشهد أغصانها وأوراقها الخضر مداعباتهم وقفشاتهم وتحفظ أسرارهم.وفي ذات الأوقات يجتمع الطلبة السود في ركن آخر من المدرسة...بدون تداخل يذكر ما بين الطلبة السود والبيض. ومرت سنوات على هذا الحال ولا يسأل أحد عن الأسباب التي خولت للطلبة البيض الأستمتاع بظل شجرة المعرفة دون السود... حتى أنضم الى المدرسة طالب جديد أسود وجلس، بكل براءة، تحت شجرة المعرفة... الموقع المخصص للطلبة البيض... وكانت بداية العاصفة.في اليوم التالي دخل الطلبة إلى المدرسة ليصدموا بتدلي مناظر تشبة الأنف من الشجرة كناية عن أيام التفرقة العنصرية والمعاملة السيئة التي كان يتلقاها الأمريكيون السود من نظرائهم البيض... وفي لحظة تغيرت المدينة الهادئة. وتوصلت الإدارة إلى الطلبة البيض الذين قاموا بالفعل الشنيع وعاقبتهم بالتغيب من المدرسة لمدة ثلاثة أيام ... ولكن الأمر لم ينتهِ هنا. فقد توالت المصادمات العنيفة بين طلبة المدرسة وصار هنالك فريق البيض والفريق الأسود وكل منهما يكيل الأتهامات ويسئ الظن بالآخر. ونظم الفريق الأسود مظاهرة سلمية تحت الشجرة احتجاجا على استيلاء الطلبة البيض على ظلها.. وتناول الإعلام القضية.. فقد كانت مؤلمة ولا يزال البعض يذكر أيام كان السود مخصصة لهم مقاعد معينة في (المواصلات) ويتعين عليهم أن يتركوها متى ما تعذر مقعد لشخص أبيض.وتعقدت القضية وتشابكت أفرعها خصوصا بعد أن ركزت عليها وسائل الإعلام. وصار متحدثو المنظمات المدنية ونشطاؤها يدينون العنصرية التي لا تزال ذراتها عالقة بسماء (جينا). وفي يوم قام ستة من الطلبة السود بالأعتداء على (جستين باكر) الطالب الأبيض، بالضرب المبرح. ونقل جستن إلى المستشفى وتم علاجه الذي كان بداية قضية أكثر تعقيدا. فقد ألقي القبض على الطلبة السود الستة ووجهت لهم الشرطة تهمة القتل العمد... ثم أضطر المدعي العام إلى تقليل التهم من القتل إلى الأهانة... ويواجه الطلبة السود السجن بمدة تقارب المائة عام مجتمعة. وأثارت المعاملة الظالمة حفيظة المجتمع... فحينما أخطأ الطلبة البيض قامت أدراة المدرسة بتنبيههم إلى خطئهم برفق وخفة وإيقافهم عن الدراسة ثلاثة أيام... وحينما أخطأ الطلبة السود ثم طردهم من المدرسة بل ويواجهون السجن الذي قد يلتهم أزهى أيام حياتهم... وتوافق قضية مدرسة جينا إحتفال الأمريكيون بذكرى ميلاد مارتن لوثر كينج، رائد حركة الحقوق المدنية، في الخامس عشر من يناير الماضي... أي أن النضال من أجل الحقوق وتجانس المجتمع لا يزال جاريا في الولايات المتحدة الأمريكية برغم تعاقب السنون وبالرغم من النهضة والتغير الذي جرى في خلال العقود التي مضت...
فما بالنا نحن وقد تم توقيع إتفاقية سلام وليدة لا يزيد عمرها عن الثلاثة سنوات...
يا جماعة ... النشيل الصبر.
البت تسميها أمها..!!
يقال في كثير من الأحيان أن المولود «ينزل» باسمه، ولكن هنالك مفاوضات تحاول وضع اليد على ذلك الاسم المُنزل ما بين الأم والأب، بل وأحيانا تنضم الأسرة كلها وفرق الأصدقاء.. البعض يهتف مشجعا والآخر يرفع صوته مُنددا.. صديقة قديمة للأسرة أنجبت طفلتها وزوجها مسافر في إحدى مدن السودان، فأرسل له الأقرباء يعلمونه بخبر «البنية» ويسألون ماذا يريد أن يسميها، فبعث لهم الأب برسالة تهنئة جميلة قائلا لهم «البت تسميها أمها». وعاد بعد أسابيع قليلة لرؤية ابنته وزوجته، وبينما هو ينظر لابنته بين يديه سألهم ما أسمها فأجابوه، باستغراب، «مها». وتبسم الأب مبديا رضاءه بالاسم، وقال لهم «اسم جميل، جبتوهو من وين». ونظرت الزوجة له وتبادلت الأسرة النظرات حائرة. وتساءلت الزوجة قائلة «أنت موش رسلت قلت يسموها مها؟» وما بين مد وجذب ونقاش و«غلاط»، قامت الزوجة بإحضار البرقية التي اتضح أن في إرسالها لم يظهر حرف «الألف» في أمها وقُرأت البرقية «البت تسميها مها». وبذلك كان اسم مها منزلا على البنية.وكانت تلك البرقية، بالرغم من بُعد سنوات وقوعها، حضورا في نقاش حديث. فقد أنجبت صديقة لنا ابنها البكر، بعد تعثر في «الولادة» التي استمرت لساعات طويلة وكانت منهكة ومتعبة. خرج زوجها متجها إلى مكتب تسجيل شهادة الميلاد ليسمي الطفل على اسم والده «وهو اسم قديم»، بدون استشارة زوجته. وجن جنون الصديقة وهي ترى زوجها قد اختار الاسم «المُنزل» على ابنها بدون استشارتها، وهي التي حملته تسعة أشهر وهنا على وهن، وسيكون فصاله في عامين. وبدأت في الاحتجاج «أنت كيف تسمي الطفل من غير ما تأخذ رأيي؟» وهو يقول لها «ده ولدي ومن حقي أسميهو على اسم الوالد، فهو ضحى من أجلنا وتعب فينا». ويستمر النقاش بدون أن تكون له نتائج واضحة، فالأم غير موافقة على الاسم «الدقة» القديمة الذي لا يتماشى مع الموضة الحديثة، والأب غير قابل للنقاش أو التنازل عن تسمية الطفل على اسم غير ذلك الذي لوالده. وبدأ النقاش يدور حول حق المرأة في اختيار اسم الطفل وعن حق الرجل في المشاركة، وجاء ذكر البرقية وتسمية مها أعلاه، فقد ذكر الزوج «هو زمان ذاتو ما كانت في مرة بتسمي! الرجال حتى لو ما في يرسلوا ليهم علشان يختارو الاسم».ونظرت لي الصديقة نظرة متوسلة أن «أحضرينا». فقلت لها:-والله بصراحة، الغلطة غلطتك..!!فما كان منها إلا أن حدقتني بنظرة شذرة ولسان حالها يقول «أريتني لو ما قصدتك» وسألتني وهي مغتاظة مني:-أنا هسه غلطت في شنو؟
فأجبتها مداعبة:- إنتي من الأول الوداك تعرسي ليك راجل ما عاجبك اسم أبوه شنو؟
نصيحة أخيرة: يا معشر النساء، تأكدن من أسماء آباء خطابكن، قبل الفأس ما تقع في الرأس..!!

السبت، 9 فبراير 2008

أستاذة فائزة نقد: فيمتو تعرف قيمتو..!!

بنهاية المرحلة الابتدائية، انتهت مرحلة مهمة من مراحل حياتي. وشهدت مرحلة الدراسة المتوسطة بدايات فصل من أبواب عمري لم تنته حتى لحظتي هذه. ففي أول عام تطأ أقدامي فيه مدرسة الأميرية بحري «1» المتوسطة للبنات، كان والدي معتقلاً بسجن كوبر، وكنت أنا طالبة جديدة بالمدرسة أرتدي الزى البني وأضع على رأسي تلك الطرحة البيضاء. وعُرفت في المدرسة جميعها بالفتاة المعتقل أبوها وإن لم ألحظ تغييرا في المعاملة من قبل زميلاتي ومعلماتي، بل كن طيبات ويعاملنني كما جميع الطالبات.كانت الأستاذة فائزة نقد هي مديرة مدرسة الأميرية وقتها. كنت أراها بثوبها الأبيض الناصع وهي تمشي بقوة وثبات بين طرقات المدرسة ودروبها، «فاردة» كتفيها ورافعة رأسها شامخة. ولم أكن أهابها. بل كنت أشعر بكثير من ود وتقدير لها، فقد كانت لطوفا حنونا نحوي. تناديني حالما تراني «غادة، مشيتي زيارة لأبوك الأسبوع ده؟» وتتواتر الأسئلة التي تخفف عني الكثير من المشاعر المتضاربة التي كانت تجيش في صدري وتعترم أيامها، وكانت دوما ما تختم حديثها بأخيها الأستاذ محمد إبراهيم نقد، وهي تقول «والله هدي أنا، أخوي ما قادرة أطمئن عليه وما عارفاهو حي ولا ميت». وتمضي بعد أن تشد من أزري بكلمات قويات، وتعضد بهن من روحي الحائرة التي لم يكن وعيها يزيد بأكثر من مجلات ميكي وسمير وألغاز رجل المستحيل، وإن بدأت تحل مكانهم ثلاثية نجيب محفوظ وروائع يوسف السباعي.خلال امتحانات نصف السنة وأنا بالصف الثاني من المرحلة المتوسطة، كانت أحداث كثيرة دائرة.. زواج ابن عمة لي، ألم في ضرسي أضطرني لاقتلاعه أيام الامتحانات، والأَمَرَّ من كل هذا وذاك كان نقل والدي من معتقله بسجن كوبر إلى سجن كسلا. وشعرت بعدم رغبة في خوض تلك الامتحانات، فقد كنت أضع قلمي في نصف الامتحان أحيانا، وأسند رأسي على درج المكتبة وكنت، حقيقة، زاهدة فيها. وظهرت نتيجة نصف العام، وكنت في انتظار والدتي آخر اليوم في مكتب أستاذتي الفاضلة فائزة. وسألت الوالدة عن النتيجة وأنا واضعة رأسي في الأرض لا أستطيع مواجهتها. وناولتها النتيجة «الثامنة عشرة، مشترك». وتنهدت الوالدة حزينة وهر تردد «يا خسارة يا غادة»..!! وأنا لا أدري ما أفعل. تناولت الموقف مني أستاذة فائزة ووجدتها تقول لوالدتي «معليش يا سعاد، الظروف المرت بيها غادة برضو ما هينة.» ونظرت إليَّ، حاسمة الموقف، «خلاص يا غادة، شدي حيلك ونشوف نتيجتك في آخر السنة.» وتركت مكتبها خجلى من والديَّ وشاعرة بكثير من عرفان لأستاذتي.مرت الأيام وبدأت أستذكر مبكرا لامتحانات نهاية العام. وكنت أعرف أن العبء الملقى عليَّ مضاعف، فدرجات نصف العام تضاف على آخره لتستخلص النتيجة النهائية. وبدأت أقرأ واستذكر دروسي غير عابئة بظروفي التي كانت تتلون وتتغير بمرور الساعة. ويأتي آخر اليوم الدراسي وأجلس وصديقاتي تحت نافذة أستاذة فائزة وتنادينا أحيانا وتناولنا «القروش» لشراء فيمتو لضيف لها في المكتب، وأهرع إلى «الدكان» مع احدى الصديقات وندخل مكتب ست فائزة حاملين «قزايز» الفيمتو ونناولهم لضيوفها. وتترك لنا أستاذة فائزة باقي «القروش» لأدعو نفسي وصديقتي على قزازة فيمتو.وأتى يوم توزيع النتائج، وكانت أسماء العشرة الأوائل من كل صف تذاع في طابور الصباح، وتناولهن الشهادة مديرة المدرسة، أستاذة فائزة شخصيا. ومضت أسماء السنة الأولى، ثم بدأت أسماء فصلي... الثامنة... التاسعة... وبدأت أفقد الأمل... ثم سمعتها تنادي «العاشرة، غادة عبد العزيز خالد». وحضرت لأستلم شهادتي منها. فشدت علي يدي بقوة قائلة وهي مبتسمة «جدعة»..!! وتركتها ولا يزال إحساس الفرحة بفخرها يصاحبني. وتركت السودان في إجازة صيف 1991م، وحتى اليوم لم أسمع صوت استاذة فائزة مرة أخرى.. لم أشكرها أو حتى التقيها.
ويا أستاذة فائزة.. شكرا... ونفسي في قزازة فيمتو..!!
العيد الجاب البيتزا

المكان: الطابق الثاني بأحد مباني جامعة أوماها نبراسكا حيث يتم تدريس مادة الخطابة الزمان: شتاء عام 1998، أول فصل دراسي ألتحق به بالجامعةالأستاذة تقف وسط الطلبة تنظر إلينا وتتحدّث، فكل فصل جديد يحمل معه مجموعة طلبة تكتشفهم، وتحاول في تلك اللحظات أن تنظر إلى أعيننا محاولة سبر أغوارنا. كنت أنظر إلى الأستاذة وأحاول أن اكتشفها في ذات الوقت، فهي أول أستاذة أمريكية أجلس في محراب فصلها متخوّفة من نظام التدريس وأصول المادة. يعتبر أول يوم دراسي بمثابة (التعارف) ما بين الطلبة والأستاذة، فحدثتنا الأستاذة عن نفسها وسألتنا عن اسمائنا وطابقتها بالقائمة التي في يدها، ثم بدأت تلقي محاضرة، ليست عن المخاطبة، ولكن عن توقعاتها منا نحن طلبتها الجدد.. الواجبات تُسلّم في ميعادها.. عدة امتحانات في خلال أربعة أشهر.. ولا يمكن أن نتغيّب في خلال الفصل الدراسي أكثر من ثلاث مرات لا رابع لها. وبدت لي تلك القاعدة غريبة وشديدة الصعوبة مقارنة بأيام (التسيب) التي تعودنا عليها في الجامعة السابقة. ومضت الأسابيع وأنا متابعة دروسي ودقيقة في ميعاد كل محاضرة حتى اقتربت أيام العيد.كان ذلك العيد هو أول عيد يمر عليَّ بدولة غير إسلامية لذلك كنت حريصة على صلاة العيد مع جماعة المسلمين. فحسبما كنت أسمع أن مراسم العيد تنتهي بإنتهاء مراسم الصلاة، فكل بعد ذلك يهرع لعمله أو مدرسته. ولكن ما العمل وميعاد صلاة العيد في ذات الوقت المخصص لمحاضرة الخطابة؟ ولأنني كنت خائفة من تجاوز ثلاثة أيام الغياب التي حددتها الأستاذة في أول يوم لها، قررت اخطارها بأنني لن أكون موجودة في ذلك اليوم بسبب العيد والصلاة. وتفاجأت وأنا أتحدّث مع الأستاذة في مكتبها بنظرة الحيرة التي تعلو وجهها، أي صلاة؟ وأي عيد تقصدين؟ وبدأت بالشرح، إنني مسلمة ولا بد لي من أداء صلاة العيد، فهي تجُب ما بينهما. وبعد فترة من مدّ وجذب ومحاولات فاشلة لإيصال المعلومة وما بين دهشة أستاذتي، والتي أكاد أجزم أنها تسمع لأول مرة عن إسلام وأعياد، وجدتها تهز رأسها بحيرة وتحرّك كتفيها غير مبالية وهي تقول:-غادة، كل ما أعرفه أنك لن تكوني موجودة بالحصة وذلك لأسباب تتعلّق بديانتك وهذا عذر مقبول عندي.وتركتها وأنا أشعر أنها لا تعرفني أو تدرك خلفيتي المعقّدة وأدركت أنني سأحتاج لوقت كثير كي أتعوّد على شكل جديد من أشكال الغربة..وانتهى ذلك الكورس على خير وبدأنا نصف السنة الجديد.. وأخذت فصلاً درّسته تلك الأستاذة أيضاً. وبدأت أتعرّف عليها أكثر وعرفتني هي عن قرب، فقد أتاحت لنا نشاطات الجامعة المتعددة فرصاً للتواصل والنقاش عن مجتمعاتنا وثقافاتنا ودياناتنا المختلفة. ثم بدأت السنة الثانية وذات الأستاذة لا تزال تصاحبني في مسيرتي الدراسية، كان الكورس عن كيفية التواصل داخل المجموعة قليلة العدد وكان في جدولنا، المقرر منذ عدة أشهر، يوم نشاهد فيه فيلماً ذا علاقة بموضوع الحصة. واقترحت الأستاذة أن نشترك جميعاً في يوم الفيلم لشراء بيتزا نتناولها في الصف بينما نشاهد الفيلم. وقبيل أسبوعين من الوقت المخصص للفيلم خاطبت الأستاذة الفصل قائلة:-ما رأيكم أن نقوم بعرض الفيلم الأسبوع المقبل بدلاً من الانتظار حتى موعده؟ ففي الأسبوع الذي يليه يبدأ رمضان وغادة ستكون صائمة! لا أريد أن يفوتها التواصل الاجتماعي للفصل وأتمنى أن تستطيع مشاركتنا.ولاقى اقتراحها قبولاً من الطلبة وتم تغيير خطة الفصل المقررة منذ فترة طويله من أجلي فقط. ونظرتُ إلى أستاذتي بامتنان.. فمنذ عام فقط كنت أحاول أن أشرح لها مَنْ أنا ومِنْ أي بقاع الدنيا أتيت، وها هي اليوم تعرفني بل وتدرك رمضان وميعاد صيامي بدون كلمة مني.. وعلمتني هي درساً أبعد من الخطابة أو فنون التواصل.
أطير وين وأقع وين..؟!!

كانت أبنة خالي، «نعمة»، في صغرها طفلة حلوة، واسعة العينين.. أبية الأنف.. فصيحة اللسان... تراها تمرح وتلعب مع أقرانها ثم تجلس إليك وتتحدث بتؤدة، فتشعر بأنها أكبر من سني عمرها المعدودة، فقد نشأت على تربية حبوبات.. كانت تذهب مدرستها صباحا وتعود منها ظهرا... الجو شديد الحرارة وخانق... العطش «منشف ريقها» وتمنى نفسها بماء يروي ظمأها وغرفة باردة ومكيفة... تفتح باب المنزل... وعندما تجد أحيانا الكهرباء «قاطعة»، تلقي بحقيبة مدرستها على الأرض وهي تهتف بصوتها الطفولي، مقلدة الكبار، «أطير وييييين أنا وأقع وين!.»وبينما بدأ العام الجديد بزخمه واحتفالاته في أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة مثل، نيويورك ولاس فيغاس، كانت ولايتنا، أنديانا، واقعة في نطاق العاصفة الجليدية التي ضربت منتصف غرب أميركا. بدأ الجليد ببعض من الحبيبات البيض وهي تسقط على الأرض بكل رفق مكونة طبقة سرعان ما تضاعفت... وتسارعت وتيرة الجليد، حتى أن خبير الأرصاد الجوية «دافيد شتلر» ذكر أن هذه العاصفة الجليدية ستُذكر بأنها أسرع عاصفة بسبب بكمية الجليد التي تساقطت في وقت قصير، فقد تراوحت طبقات الجليد لما بين أثنين إلى أربعة بوصات في الساعة الواحدة. ووصلت كمية الجليد الملقاة على الأرض لأكثر من المتر في ولايتي «فرمونت» و«نيو هامشير» وهي أكبر نسبة جليد تغطي الأخيرة منذ عام 1876م، بينما كانت ولاية «مين» أكثر حظا، فقد نعمت بحوالي «37» بوصة من الجليد فقط.وصرفت ولاية «نيو هامشير» خلال اليومين السابقين «30» مليون دولارا من أجل إزالة آثار الجليد، بينما ميزانيتها لموسم الجليد، الذي يستمر لمدة ستة أشهر، عبارة عن «75» مليون دولارا. وأضطر مطار شيكاغو العالمي، وهو من أكثر المطارات المرتادة في أميركا، إلى إلغاء «150» سفرية في ذلك اليوم، ناهيك عن الطائرات التي تأجل موعد إقلاعها. وأثرت العاصفة الجليدية على أسلاك الكهرباء التي «قطعت» في أكثر من «36» ألف عمل ومنزل، حتى أن أصحاب كثير من الشركات طالبوا عمالهم بالبقاء في منازلهم، وأغلقت المدارس أبوابها ليقوا الطلبة من أمراض البرد المعدية، ولمحاولة تجنب الحوادث المرتبطة بالجليد مثل ارتطام السيارات والوقوع على الأرض.ومصائب البعض لدى الآخرين، فيما يبدو، فوائد. فقد زاد الإقبال على منتجعات التزحلق على الجليد في منطقة «نيو أنجلاند». فصرح «بيل سوين» المتحدث الرسمي لواحد من أكبر منتجعات التزحلق في الولايات المتحدة، بأن العمل قد ازدهر بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، وأن الجليد، لمصلحتهم، يتساقط بكثرة. وخلال الأيام الماضية، ومع بدايات العام الجديد في السودان... كانت هنالك الكثير من المناسبات... احتفال بعيد الاستقلال... وآخر بعودة الشريكين إلى الحكم... وصول القوات الهجين «بالمناسبة: ما لقوا تاريخ ثاني لدخول السودان؟» ... إطلاق سراح الأستاذ على محمود حسنين والرفاق «حمد الله ألف على السلامة». وكانت هنالك حفلات دائرة... أحدها للفنانة نانسي عجاج وآخر للأستاذة شروق أبو الناس... وكلما اتصل بشخص لأهنئه بالسنة الجديدة، أجد لسان الحال يقول «يا غادة ممكن تضربي لينا تاني». وأضع السماعة وأنا أرقب الجليد الذي يحيط بالمكان ويمنعنا من الخروج حتى من «عتبة» المنزل، وأذكر نعمة الحلوة، وأجدني أهتف قائلة «أطير وييين أنا وأقع وين؟».
بريدك ... يا أم الريد!

لم يكن عجيبا أن تفتح (جيني) الجريدة وتقلب صفحاتها بسرعة لتستقر على الصفحة التي قبع بها صندوق الكلمات المتقاطعة ذي المربعات الصغيرة البيضاء والسوداء فالكلمات المتقاطعة هوايتها التي تعشق. يجلس بجانب جيني صديقها أيريك والذي يشاركها في محبة الكلمات المتقاطعة. وبدأت جيني وصديقها بالعمل على حل الكلمات المتقاطعة، وفي كل سطر تحله كانت تجد إما اسم صديقة عزيزة على جيني، صديق حميم مشترك بين جيني وصديقها إيريك، أو مكان شخصي محبب لقلب جيني وإيريك على السواء. ولم تنتبه جيني لما يحدث بينما كان إيريك يبتسم ويدخل يده في جيبه متحسسا خاتم الألماس الذي يود أن يقدمه لحبيبته، وما أن وصلت جيني أثناء حل الكلمات المتقاطعة لسؤال "هل تتزوجيني؟" ترك إيريك مكانه بجانب جيني واسند إحدى ركبتيه على الأرض ومد يده متناولا أصبع جيني وبدأ بوضع خاتم الألماس فيه متسائلا عما إذا كانت توافق على الزواج به. وبدأت دمعات جيني في الانحدار على وجنتيها وهي لا تصدق ما يحدث، وتهتف في ذات الوقت : موافقة! موافقة. بدأت القصة باتصال أجراه إيريك بصحيفة البوسطن جلوب طالبا من فريق الكلمات المتقاطعة مساعدته في التقدم لخطيبته بطريقة متفردة وجديدة ولم يتوانى مؤلفي الكلمات المتقاطعة عن تقديم يد المساعدة لإيريك وكتبوا له تلك (الغلوتية) ونشروها له في الصحيفة. وتزخر الأخبار الأمريكية بأمثلة تقدم الرجال للزواج بطرق عجيبة، مثل رجل آخر أستأجر طائرة مخصوصة وأصطحب صديقة في جولة حول المدينة، وبينما تنظر الصديقة نحو الأرض إذا بها تلمح مجموعة كبيرة من ورودها المفضلة فبدأت تركز عينيها أكثر عليها بينما الطائرة تحلق حولها وكانت الورود مرصوفة بشكل لوحة: هل تتزوجيني؟، ووافقت الصديقة وهي بين السماء والأرض والزهور والورد شتلوها جو قلبها.ومن أكثر قصص تقدم المشاهير للزواج انتشارا، قصة المعلق الرياضي الكبير (أحمد رشاد) والذي كان يذيع مباراة في كرة القدم الأمريكية ما بين فريقي نيويورك وديترويت في يوم عيد الشكر، وهي من أكثر المباريات التي تحظي بنسبة مشاهدة. وفي الاستراحة ما بين فاصل اللعب الأول والثاني، قام أحمد بتقديم عرض زواج على الممثلة الأمريكية الشهيرة (فليشيا آلن)(صلتها بكوسبي مهمة لعون القاريء) والتي بين دموعها ودموع المشاهدين وإعجاب الرجال بالفكرة (المختلفة) والجريئة، قامت بقبول عرض الزواج الذي تم في الرابع عشر من ديسمبر 1985.قصة جيني وإيريك وأحمد رشاد وفليشيا آلن تعكس مدى اهتمام المجتمع الأمريكي بطرق عرض الزواج، فالرجال يبحثون عن طرق غير تقليدية لسؤال صديقاتهم عما إذا كانوا يوافقون على الزواج بهم بينما تنتظر الصديقة نفسها لترى العجب (العجاب) الذي قد يقوم به صديقها ليعرض عليها الرباط المقدس.ومن طقوس هذا العرض نزول الهاش الولهان على إحدى الركبتين وخاتم الألماس بيده. وتقاس حرارة العشق بحجم الحجر الكريم الذي يعلو الخاتم. وهذه جرسة على خلاف ما عندنا. فطقوسنا لعرض الزواج تتميز بالوقار والثبات والأسر و(الأبهة) والعمم الحائمة والأكف الضارعة وتلاوة الفاتحة. ولا تثريب، فهنا نلتزم بعاداتنا الموروثة وتقاليدنا وديننا.ولكن، لم يمنعني هذا من محاولة عقد مقارنة (خبيثة) في ذهني. ماذا لو قرر رجل سوداني إتباع طريقة عرض الزواج الأمريكية في السودان؟ فتخيلته يطلع فوق (راس البيت) وينادي محبوبته،-يا أم الريد، (مكتول هواك، أنا يا إحسان) أنا بريدك وعاوز أعرسك على سنة رسولنا وعلى مذهب الخليفة أبي حنيفة النعمان.ونجد النسوان (يزغرتن) وأم الريد تبكي وتتلقى التهاني والرجال يجيبوا المأذون ويعقدوا في الحال والأطفال (يفلعوا) بالحجار.
و ... العاقبة عندكم في المسرات!

رسالة إلى أبي ..
لانك أبى .. لن تخنقنى العبرات... ابي العزيز لن يضيع عمرى و عمرك سدى !!! ابي العزيز .. اكتب اليك و انا تحت سقف دافئ يضمني.. و لانك أبى .. لن تخنقنى العبرات... أفكر اين انت .. ومتى أراك مجددا.. , وأين !! لماذا لم تضمنا مائدة رمضان بوجودك .. ابدا .. اين تراك انت. .. الان اكتب اليك بعد افطار رمضان و بعد اداء صلاة المغرب.. و أنا افكر.. كيف فطرت . الان احمل في يدي حفيدك الذي لم تراه بعد.. أخاله يفكر فيك ايضا.. ونتساءل ماذا تحمل بيديك الان.. كيف كان يومك.. و أعرف أنك لا تملك الا الانتظار.. و الأمل .. كما أنت دائما فى غد جديد.. يحملنا الى ما ناضلت وتناضل من اجله.. لنا جميعا.. و يا له من انتظار ..انتظار من لا ينتظر.. والدي.. كيف تراك استقبلت خبر المفاوضات التي قروا لها الاستمرار ناسين او متناسين انك و في هذا الشهر الكريم..شهر التوبة والغفران.. مقيد و معزول في سجن لا يرحم .. و سجان لا يعرف غير القيد و الاغلال. عندما سمعت هذا الخبر ابي انسالت من مقلتي دمعتان.. و انفجرت في قلبي الاحزان.. كانني المح جهد السنين و الايام يتلاشيان و أتساءل.. اين القادة.. اين الشجعان..يا سبحان الله.. كان البعض فقاعات من صابون.. أبي العزيز.. الناس قد يختلفون معك او يتفقون.. فهنالك المشجعون لك و المعترضون.. و المنافقون.. فالرجال معادن.. و الرجال مواقف لكن احدا لم يسقط حقيقة انك واحد من اشجع المناضلين .. و انقاهم سيرة.. و الدليل انهم الليلة مع معتقليك و سجانيك مجتمعون.. و المائدة المتخمة ممتدة .. و الضحك المتبادل .. و الثروة و السلطة ... اجندة حلف ..مقترح.. و يحترق السودان.. مرة و أثنان ..لا يهم .. السلطة و الثروة .. تصلح فى كل زمان.. ابي العزيز: و برغم كل هذا.. لا يتوقف الناس عنك سائلين.. منهم من يعرفك و منهم علي هم الوطن بنا مجتمعين.. مبديين مواقفهم المخلصة و معنا متضامنيين.. و انا نيابة عنك و عن كل اسرتنا اقول لهم جزاكم الله خيرا .. فهذا هو السودان الذى يحترق من اجله أبى.. فيا والدي العزيز..لم يضيع عمرك سدا.. فغدا تشرق الشمس لنا.. و غدا يضاء لنا الطريق.. و يبقي الحق دوما هو الاقوي. دمت لي ابا حنونا.. و دمت لي ناصحا و مرشدا.. و دامت لي رؤيتك الغالية. مع كل حبي...و اشواقى .. و بإذن الله نلتقى.. و حسبى الله ..
ابنتك غادة عبد العزيز خالد ..

أَخجَلُ أنْ أقولَ هذا لأطفَالي!
بقلم/ غادة عبد العزيز خالد

رزنامة الأسبوع 15-21 مايو 2007

الثلاثاء :
وبدأ العام الجديد. البرد قارس. الجليد يتساقط ، نديفاً أول أمره ، ثم ما يلبث أن يتهاوى كثيفاً على الرؤوس والأكتاف. أغلبه يسقط فوق أسقف البنايات ، وسطوح المركبات ، قبل أن يغطي الأرض ، يحيل لونها إلى أبيض ناصع ، ويوارى سواد أسفلت الشوارع الذي يندس تحته.
(ويسلى اوترى) يهتف بابنتيه الصغيرتين أن تسرعا. ينزلون درجات السلم قفزاً لئلا يفوتهم قطار الأنفاق الذي سيحملهم إلى حيث الدفء الحقيقي في البيت ، فالجاكيتات والمعاطف في برد نيويورك لا تدفئ ، مهما ثَقلت.
وصل (ويسلى) وطفلتاه إلى الرصيف ، ووقفوا ينتظرون القطار كما تعوَّدوا أن يفعلوا كل يوم. فجأة ، أبصروا شاباً صغيراً لم يتجاوز التاسعة عشر يترنح. يجهد ليمسك بعمود إلى جانبه ، لكنه ما يزال يترنح. أنوار قطار الأنفاق بدأت تظهر ، وصوت صفارته بدأ يعلو ويعلو ، وجسد الشاب ما زال يترنح ويترنح أكثر فأكثر. كان واضحاً أنه بدأ يفقد وعيه وتوازنه. و .. في ثانيةٍ زلت قدماه. سقط على القضبان أمام القطار القادم منطلقاً بعيونه المُشعَّة ، وصفارته المتعالية ، تماماً مثل وحش كاسر. رأى الجميع المنظر لينفجر الصراخ!
في جزء من الثانية التالية ، نفض (ويسلي) يدى ابنتيه الصغيرتين ، وقفز خلف الشاب ليستقر إلى جواره على القضبان. لم يعُد يفصل بينهما وبين الوحش المندفع بأقصى قوَّته غير ثوان معدودات. إستحال صراخ الجموع إلى شئ كالهستيريا. بدأ البعض يلوح للسائق ، لكن كان واضحاً أنه لن يتمكن من التوقف قبل أن يبلغ مكان الرجلين. أيقن الجميع من أنه سيدهسهما لا محالة. أسرعت سيدة متوسطة العمر تدفع الطفلتين بعيداً عن الرصيف لتجنبهما رؤية القطار وهو يمزق جسد والدهما!
ما بين غمضة عين وانتباهتها كان القطار ـ الوحش يمُرُّ ، بهدير يصُمُّ الآذان ، فوق الرجلين ، ويتعداهما بثلثيه ، قبل أن يتوقف مُخفياً الرجلين تحته بالثلث المتبقي! ساد الهرج والمرج. البعض انخرط في عويل جنوني ، والبعض الآخر أفقدته الصدمة النطق ، فتجمَّد مذهولاً. إكتظت المحطة فجأة بقوات الشرطة وعربات الاسعاف. وأخذ الجميع يتدافعون لإخراج ما قد يكون التصق بالقضبان والعجلات من مِزَق لحم الرجلين وشظايا عظامهما! لكن ، وفي ما يشبه المعجزة ، ووسط دهشة الجمهور الذي ألجمته المفاجأة ، خرج (ويسلي) سليماً معافى ، بل وساعد في إخراج الشاب الصغير الذي كان قد أصيب ببعض الجروح فنقل من فوره إلى المستشفى ، حيث أجريت له بعض الاسعافات!
وكما تسري النار في الهشيم ، تناقل الناس في نيويورك ، خلال الأيام التالية ، خبر (كامرون هوليبتر) ، الطالب بأكاديمية السينما بالمدينة ، والذي كان في انتظار القطار عندما أغمي عليه ، ثم لم يدر بما حدث له بعد ذلك ، أو كيف أنقذه (ويسلي) ، إلا بعد أن أفاق بالمستشفى! أما (ويسلي) نفسه فقد تحول إلى بطل ، ولم يعُد للناس من شغل سوى اجترار مأثرته في كل مكان. وأصبح ، بين ليلة وضحاها ، نجماً كثيف الحضور في أكثر من قناة ، تتبارى كاميرات التلفزيون لتفوز بشريط له ، ويتنافس أكبر المذيعين ومقدمي البرامج على تصريحاته وأحاديثه. وكان مما قال بعد الحادثة ، وببساطة آسرة:
ـ "لا أعرف لماذا الجميع مندهشون ، فأنا لا أشعر بأنني فعلت شيئاً غير عادى! لقد كان ثمة شخص يحتاج مساعدتي ، وقد قدمتها له! لقد كان قراراً سريعاً لم يأخذ مني وقتاً. إن عملي في مجال البناء أكسبني خبرة واسعة في سرعة تقدير الأمور. لذا ، وعندما رأيت (كامرون) يهوى على القضبان قفزت خلفه آملاً في إخراجه قبل وصول القطار! لكن ، وعندما أدركت أن الوقت لن يتسع لذلك ، قررت أن أحمي جسد كامرون بجسدي ، وبقيت مُخفِضاً رأسي والقطار يمر من فوقي وكامرون تحتي ، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من مفارم القطار. وقد وجدت أن بعضاً من زيت القطار قد تساقط على قبعتي"!
لم يكتف (ويسلى) بذلك ، بل ذهب إلى المستشفى ليزور (كامرون) ، حيث التقى بأسرته التي كان لسانها يلهج بالشكر له. وأثنى والد (كامرون) عليه قائلاً إنه لولا ما أبدى من شجاعة منقطعة النظير ، لكان ابنه في خبر كان! وعلى مدى أيام طوال ظل (ويسلي) يتلقى آلاف المحادثات والرسائل. وتقديراً لإنسانيته وبسالته نفحه الثرى الأمريكي (دونالد ترامب) خمسة آلاف دولار ، كما تلقى مثلهم من مدير أكاديمية السينما التي يدرس فيها (كامرون). كذلك حصل (ويسلي) على كمبيوتر جديد لبنتيه ، وإجازة مدفوعة التكاليف له ولأسرته ليستمتعوا بزيارة حدائق والت ديزنى العالمية ، و كرَّمه عمدة نيويورك بأن قلده ميدالية برونزية هي أعلى ما يُمنح للمواطنين على قيامهم بأعمال بطولية ، أو تحقيقهم لإنجازات عالية. بل ، وفوق ذلك كله ، تمت استضافته من جانب الرئيس الأمريكي والسيدة الأولى في مناسبة الخطاب السنوي التقليدي للرئيس ، وشكره على مسمع ومرأى من العالم أجمع. هذا بالإضافة إلى عربة ، وتأمين مدفوع عليها لمدة عام ، والكثير ، إلى ذلك ، من الهدايا والجوائز.
بقدر ما تغيرت حياة (ويسلي) بسبب قراره ، الذي لم يأخذ التفكير فيه من وقته الكثير ، بالمخاطرة بحياته وأسرته من أجل شاب لم يره ، ولا مرة واحدة ، من قبل ، وتدخله السريع لإنقاذه من موت محقق تحت عجلات قطار مسرع ، بقدر ما عزز الثقة ، وسط كل الاعتبارات العرقية والطبقية ، في طيبة قلب الانسان ، من حيث هو إنسان ، و .. هل فاتني أن أخبركم بأن (ويسلي) أمريكي أسود ، بينما (كامرون) أمريكي أبيض؟

الأربعاء :
ظللت ، طوال صباي المدرسي ، أمنى نفسي بحياة جامعية ثرية ، وأحلم بالمحاضرات الممتعة ، والحدائق الوريفة ، والقاعات المهيبة ، والمكتبات العامرة ، والصداقات الناضجة ، وأركان النقاش الساخنة ، ومجموعات الدراسة والبحث ، وساحات النشاط الذي لا يهدأ ، و .. تلك الشنطة ، شنطة اليد الحمراء الجميلة التي كانت قد أعجبتني يوماً في صغرى ، ووعدني أبى بها عندما أدخل الجامعة ، فصارت حلمي الدائم. لكن القدر كان أسرع ، فهجرنا السودان لأسباب معلومة.
إنتقلنا إلى القاهرة ، حيث رحت أزحف من سنة دراسية إلى أخرى. أكملت المرحلة المتوسطة ، فالثانوية ، ثم جلست لامتحانات الشهادة ، ونجحت. ولم تعُد تفصل بيني وبين بوابة الجامعة سوى أسابيع قليلة سرعان ما انقضت ما بين فرحة عارمة وترقب لهيف. وحل أول أيام الدراسة. قلبي يخفق بشدة ، ولكنني لا أعرف طريق الجامعة! وقفت في ميدان العباسية حائرة ، والأمواج البشرية من حولي تأتى وتذهب. أوقفتها ، فتاة محجبة يبدو أنها جامعية أيضاً ، وسألتها:
ـ "لو سمحتي .. جامعة عين شمس بيدخلوها من فين"؟!
وطلبت مني أن أصحبها ، ففعلت. وهكذا دخلت الجامعة ، وبدأت الدراسة. وجوه كثيرة ، كثيرة جداً ، ولكنني لا أعرف منها واحداً. ألمح وجهاً أو وجهين مألوفين ، لعلهما من الحي أو المدرسة. غير أنني أبحث عن وجوه مختلفة ، سمراء اللون ، بيضاء السن ، وذات لهجة سودانية بحتة ، فلا أراها! لربما كانوا في ركن هنا أو هناك ، لكننى لم أجدهم. تعبت قدماي. فتعللت بأنه أول يوم ، ولعلهم لم يأتوا بعد. وضحكت على نفسي ، بل غظتها هامسة لها:
ـ "ما تستعجلي يا برلومة .. غالباً بكره بجوا"!
وجاء الغد ، لكن لم يأت أحد! ومرَّ اليوم (إللى بعدو) ، ثم الأسبوع الذي يليه ، و لا أحد! شهر ، ثم شهران ، وفقدت الأمل. فبدأت أبحث عن نشاطات أنغمس فيها ، وأيضاً لا أجد ما يستهويني! وبدأت فرحة الجامعة تخفت في دواخلي ، وصرت لا أعبأ بها. لا .. لم يكن هذا تصوري للجامعة أبداً! ثم .. أين الشنطة الحمراء؟ من يأتيني بها اليوم من السودان؟! وصرت متيقنة تماماً من أنني لن أجد بجامعة عين شمس نشاطاً يشبع رغبتي ، فقررت أن أبحث عن نشاطات تقام بالجامعات المجاورة ، حتى جاء الفرج!
صديق عزيز أتى ليخبرني عن دورة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تسمى (نموذج جامعة الدول العربية). في ذلك النشاط يصير كل طالبين نواباً عن دولة معينة يدرسان موقفها ، علاقاتها بالدول الأعضاء الأخرى ، أوجه التعاون مع الحكومات المختلفة ، ويتبنون وجهة نظر تلك الدولة في المسائل المعروضة. وسألني الصديق إن كنت أحب المشاركة. ـ "أحب المشاركة؟! إنت بتهظر؟! طبعا أحب المشاركة ، ده البفتش ليهو ذاتو"!
وصرت وإياه ممثلين لجمهورية اليمن الشعبية. ومرت أول أيام واللجان تنعقد. الجميع يحاول تقمص شخصية الدولة التي يمثلها. مندوب ليبيا يرسل إلينا ليخبرنا أنه لن يحضر لأن كل قراراتنا (مطبوخة) حتى قبل أن نجتمع! ويضج الجميع بالضحك. ثم نسعى لإقناعه بالدخول. وتستمر المشاورات والمباحثات. وتسمع من يقول "هذا خيار جيد ومفيد لشعار العروبة والوحدة العربية ، لكنه يضر بمصالحنا"! وأخذنا نعيد الأسطوانة المشروخة بأننا نريد وحدة ، نريد لأوطاننا أن تنجح وأن تستقل.
كنا مدفوعين بحماس الشباب ، وبرغبة حارقة في النجاح. فأقنعنا مندوبي بعض الدول بالتنازل عن المواقف التي تبنتها حكوماتهم ، وذلك من أجل المصلحة العامة. وكان المؤتمر يعقد بجامعة الدول العربية نفسها ، وفي نفس المقاعد التي يجلس عليها مندوبو الدول الفعليون حين ينعقد مجلس الجامعة. وانتهت الجلسات ، وأصدرت لجنتنا قراراتها بالإجماع حول القضايا التي كانت مطروحة أمامنا للنقاش. وكنا اللجنة الوحيدة التي نجحت ، أو هكذا خيل لنا!
أخيراً جاء اليوم الختامي. وفي الاحتفال النهائي الذي تناقش فيه قرارات كل اللجان ، وتوزع شهادات التقدير على المشاركة في النشاط ، إنتظرنا أن يمدح رئيس المؤتمر مجهودنا الجبار الذي حاولنا أن نوحد من خلاله المصير والكلمة! وحضر رئيس الجامعة. شكر الجميع على حضور المؤتمر ، وعلى بحثنا الحثيث ، واهتمامنا بقضايا العالم من حولنا ، والعربي خاصة. لكنه ما لبث أن ألقى قنبلته المُحبطة في وجوهنا:
ـ "إطلعت على تقارير الاجتماعات ، والتوصيات التي خرجت بها كل لجنة ، وهي تعكس مدى وعى الشباب اليوم مقارنة بأوقات سابقة. لكن أيَّما لجنة وصلت لقرارات جماعية تعتبر نفسها فشلت"!
وغصت في مقعدي!

الخميس :
لكم يحبها ، يفتنه جمالها الأخاذ ، يبهره حديثها العذب ، يدهشه حضورها الآسر ، يضطرب كيانه في وجودها! يا إلهى ، كم هي رائعة ، يراها غير كل الناس ، يسرح خلف خيالها ، وهي ، بعدُ ، أمامه ، يمُرُّ على ديارها ، وقد عَفَت الديار ، ديار ليلى! ليلى الشعر ، ليلى الأغنية ، ليلى التي يظل صابراً ينتظر أوان بوحها له ، وحنوها عليه ، وتعطفها بنظرة خاطفة إليه من عليائها .. فهل يطول انتظاره؟!
جلس يرقبها ، صامتاً ، وهي تدخل وتخرج في ثوبها المنزلي الرقيق. يكاد يلتهمها بعين العاشق الولهان ، ولا يكف عن التنهد. أخيراً ، أخيراً جداً ، نظرت إليه ، فانتفض قلبه ، ورقصت مشاعره طرباً. أسبلت عينيها الدعجاوين ، ثم عادت ورفعتهما ثانية ، فكاد لبه يطير! إقتربت منه ، فاختلج صدره بدويِّ طبلٍ بُدائيٍّ عنيف. مدت إليه وردة يانعة ، فعجب كيف أنه ما زال في كامل وعيه! رأى شفتيها تتحركان ، تهمسان ، لم يتبيَّن ، للوهلة الأولى ، ما قالت. حاول أن يركز أكثر حتى لا تضيع منه ثانية واحدة من تلك اللحظات الغالية. سمعها هذه المرة جيداً. كانت تسأله بحدة ، ويدها ممدودة إليه بإناء معدني فارغ:
ـ "جبت اللبن"؟!
هز رأسه كمن أفاق للتو من حلم لذيذ. ثم أجابها ، وهو يخطف إناء اللبن من يدها ويركض صوب الباب:
ـ "لا لسة ، حسة حأمشى أجيبو"!

الجمعة :
الثالثة صباحاً. أولى لحظات عناقي لأرض الوطن بعد غياب طويل. المصابيح الشاحبة تزداد شحوباً. النعاس يطير أبخرة مع حركة الأقدام تبحث عن الأحذية المبعثرة تحت المقاعد. صوت المضيفة تبلغنا ، وكأنها تتلو شعراً ، بقرب الهبوط في مطار الخرطوم ، وتطالبنا ، كما لو كانت تغني ، بربط الأحزمة وإعادة الكراسي إلى أوضاع الاستقامة. إطارات طائرة الخطوط الكينية تلثم أرض المطار بسلاسة. أرقب الركاب من حولي ينهضون ، ينزلون حقائبهم الخفيفة من الأرفف ، ويتزاحمون في صفوف طويلة انتظاراً لفتح الباب إيذاناً بالنزول. ما زلت قابعة بمقعدي ، أحتضن طفليَّ ، وأنا أرسف ما بين توق نابح وخوف خفي! ترجل الركاب أجمعين. أخيراً أحكمت وضع حقيبتى على ظهري. وحملت أحد الصغيرين بيد ، وأمسكت الآخر بالأخرى. رددت تحية المضيفة الجميلة ، ثم اجتزت باب الطائرة إلى سلم النزول ، وعيناي تجولان حول المكان.
دلفت إلى صالة المطار. ملأت البيانات. أمسك الموظف جوازي. أمعن التحديق فيه وفي ورقة البيانات ، ثم قال:
ـ "نسيتي تملي أهم خانة يا غادة عبد العزيز خالد"!
لم أدرك مقصده. لكنه أردف دون أن ينتظر ردي:
ـ "خانة الاسم"!
رددت عليه بصوت خفيض ، وهو يمسك بالقلم ليملأ خانة الاسم نيابة عنى. لا أذكر ماذا قلت. لعلى نسيت ، أو اضطربت. ناولني الجواز ، فواصلت مسيري مع الطفلين.
وقفت أمام السير أنتظر حقائبي ، وإحساس غريب بالخوف يعتريني! نعم الخوف! فبعد غياب عن السودان دام لأكثر من خمسة عشر عاماً قضيتها ما بين مصر وأمريكا ، ظننت أنني سأصيح من الفرح ، سأرقص على أعتاب الوطن طرباً ، وسأقبل التراب شوقا ولهفة. لكن ، بدلاً من كل ذلك ، ها أنذا أقف هكذا .. وجلة ومرتبكة!
إلتقطت حقائبي من السير. وضعتها على الحامل المتحرك ، ورحت أدفعه أمامي ، وأنا أعبر الصالة إلى باب الخروج. فجأة ، سمعت صوتاً أليفاً يهتف باسمى. رفعت عينيَّ نحو مصدر الصوت على الشرفة الداخلية ، لأرى وجه شقيقتي الصبوح ، ويدها تلوح بشوق. بادلتها التلويح والابتسامة العريضة. في الباحة الخارجية وجدت أبى في الإنتظار ، وبرفقته عمى وابنة عمى. أحقاً هذه هي؟! فارقت السودان قبل أن تولد حتى ، وها هي اليوم شابة جميلة يانعة. ركبت العربة وطفلاي ، هاشم وشهاب ، ينظران حولهما في حيرة.
ـ "ماما إحنا وين"؟!
ـ "وصلنا السودان".
إنتابت هاشم فرحة غامرة ، فقد دأبت على الاكثار من ذكر (السودان) في الفترة الأخيرة ، وصرت أذكر لهم أين سنذهب ومن سنقابل. لكنني ، وأصدقكم القول ، لم أجرؤ أن أقول لهم كلمة واحدة عن دارفور ، أو عن كيف تركنا أطفالها يعيشون على الاغاثات في الملاجئ والمخيمات! أخجل أن أقول لهم هذا ، فأنا لا أريدهم أن يكرهوني أو يكرهوا وطنهم! وهكذا صار هاشم يسأل عن (السودان) في كل لحظة ، حتى أنه حين سمع المضيفة تعلن ، بعد دهر من الطيران ، عن قرب وصولنا مطار (أمستردام) ، هتف فرحاً ظاناً أننا وصلنا (السودان)! وحاولت (عبثا) أن أشرح له أننا لم نصل (السودان) بعد ، وإن كنا عبرنا الأطلنطي ، ودخلنا أوربا ، فأصبحنا قاب قوسين أو أدنى منه!
و .. أخيراً ، ها أنذا في البيت الذي احتضن طفولتي وصباي الباكر. لم أنسه للحظة. كانت خارطته ملء ذاكرتي. تهتك قليلاً ، بعض شروخ على الجدران ، والأثاث الذي ظل بداخله قرابة السبعة عشر عاماً صار قديماً وحال لونه بعض الشئ ، لكنه لا يزال جميلاً كما هو. نمت ليلتها قريرة العين. وفي الصباح خرجت أتجول في شوارع الحلفاية. أذكر المنازل. لم تتغير. الزمان هو الذي تغير! بعض سكانها فارقوها ، وسكن الأخريات آخرون.
مرَّ الأسبوع الأول ، لكن حركتي ما زالت محدودة لم تتعد مدينة بحري. والجميع يسألون:
ـ "أها .. لقيتى السودان كيف"؟!
ـ "و الله يا هو زاتو .. أصلو ما اتغير"!
ـ "كيف ما اتغير؟! هو إحنا حاسين بفرق"!
ـ "غايتو أنا ماشفت غير الحلفاية وسعد قشرة .. و الاثنين ما اتغيروا"!
ومرت أسابيع أخرى. و بدأت أتجول حول العاصمة المثلثة ، الخرطوم وبحري وأم درمان. ثمة طرقات لم ترصف بعد ، وإن كانت ثمة بعض الطرق والجسور الجديدة. لكن الفقر ما يزال سيد الأمكنة. أما الإنسان فما يزال ، برغم كل شئ ، بسيطاً و طيباً. غير أن أكثر ما لفت نظري كثرة المنازل الجميلة العالية والشاهقة. أعلم أن الكثير من المغتربين قد عادوا ليستقروا ومعهم مدخرات أعوام شاقة طويلة ، وأن كثيراً من الشرفاء قد كدوا وتعبوا. ولكن نسبة عمار البنايات يمثل بالنسبة إلىّ الفردية والمنفعة التي طالت البعض على حساب الآخرين ، بينما المصالح العامة والمرافق التي من المفترض أن ينتفع بها الجميع لم تنم و لم تزدهر. ولا زلت حتى الآن أحاول أن أقيّم ، هل هذا عمران حقيقي من النوع الذي عناه عالم الاجتماع العربي عبد الرحمن بن خلدون ، أم مجرد تطاول رعاة شاة في البنيان؟

السبت :
كانت إقامتي بمصر هي أولى تجاربي في الاحتكاك بالأخوة العرب. قبلها لم أكن أفكر كثيراً في الكيفية التي ينظر بها الآخرون إلينا كسودانيين. ولم أكن أعطي تلك المسألة أي اعتبار ، حتى جئنا وعشنا هنا.
بدأت ألحظ أن ما يعتبره المصريون مجرد دعابة يتفكهون بها ، نأخذه نحن على محمل الجد ، والجد خالص .. بل وقد "نضارب" حوله! ذات يوم ذهبت وأمي إلى السوق. سألت أمي البائع عن سعر قطعة من القماش. تفاصلا في السعر:
ـ "والله يا ستى ما ينفعش ، خلاص يا مدام خديه ببلاش"!
ـ "لا ما باخدوش ببلاش ، لو ينفع إديهولى ولو ما ينفعش يفتح الله"!
فالتفت البائع إلى زميله قائلاً له:
ـ "ياااااااه! دي حمقا زى حماتي"!
فاشتعلنا غضباً في التو والحين ، حتى اضطر البائع وزميله وحتى زبائن المحل للاعتذار لنا بشدة! لكن ، بمرور الأيام ، بدأنا نتعود على طريقتهم في الحوار والنقاش والمفاصلة.
والتقيت ، بعد إخوتنا المصريين ، بإخوة وأخوات من السعودية ولبنان والمغرب. كل ما يعرفونه عن السودانيين أن دمهم حار جدا! أخبرني أحد الإخوة السعوديين عن زميل لهم بالشركة يتعامل مع سوداني بفرع للشركة في مدينة أخرى تبعد عن مدينتهم بحوالي ساعتين. وفي مكالمة تلفونية احتد الزميل السعودي مع السوداني ، وقال له:
ـ "روح يا حيوان"!
فما كان من السوداني إلا أن صرخ فيه:
ـ "حيوان أنا؟! طيييييييب .. أبقى راجل واستنانى أنا جاييك حسه دي"!
ووضع الزميل السعودي السماعة بهدؤ ، ظنا منه أن الأمر انتهى عند ذلك الحد. لكن ، ما كادت تنقضي ساعتان أو أقل ، حتى دخل عليهم ذلك السوداني كما الاعصار ، وهو يرغي ويزبد والشرر يتطاير من عينيه ، والدم يغلي في عروقه من الغضب:
ـ "أنا؟! أنا تقول لي حيوان"؟!
ولم تنته الأزمة إلا باعتذار الزميل السعودي ، وتدخل زملاء المكتب ، وتقبيلهم لرأس أخينا السوداني!
وبالرغم من هذا (النفس الحار) لدى السودانيين ، إلا أنني أعتقد أن الشعب السوداني ساخر بطبيعته. قيل إن إحدى المحطات الفضائية استضافت ، ذات مرة ، إبن الثري السعودي المعروف الوليد بن طلال وإسمه (خالد). سأله المذيع عن موقف طريف مر به ولا ينساه. فقال إنه ، وفي يوم شديد الحرارة ، كان يستقل سيارته مع سائقه ، فرأى رجلاً يمشى على رجليه تحت وهج الشمس ، والعرق يتصبب منه بغزارة. فطلب من السائق أن يتوقف ، وسأل الرجل عن وجهته. فاكتشف أنه كان ما يزال بعيداً جداً عنها. فأركبه معه ليوصله. وفى الطريق عرف أن الرجل سوداني ، فتحدث معه عن طبيعة عمله وبعض أخباره. فسأله السوداني:
ـ "يعنى ما اتعارفنا يا أخ".
فأجاب الأمير بعفوية:
ـ "أنا الأمير خالد بن الوليد"!
فما كان من السوداني إلا أن رد على الفور:
ـ "لا ياشيخ! وأنا الخليفة عمر بن الخطاب"!
وعندما تقدم زوجي معز لخطبتي ، سأله أصدقاؤه ، وهو في الطريق لمقابلة والدي ، إن كان مستعدا لملاقاة (أبو النسب) فأجابهم بالإيجاب. فقال له أحد الأصدقاء:
ـ "يا زول هه ، إنتا قايلو حيسألك شغال وين وبتصرف كم؟! ده أسئلتو حتكون كلها من نوع إنت بتعرف تضرب كلاشنكوف؟! بتعرف أنواع المسدسات والطلقات"!
ومما يدل على حب السودانيين للدعابة تذوقهم للكتابات الساخرة ، كمقالات عبد اللطيف البونى وسعد الدين إبراهيم والفاتح جبرا ، بل وحتى عادل الباز مؤخراً! وكذلك إقبالهم على شرائط النكات التي راجت خلال السنوات الماضية رواجا كبيراً على يد فرقة الهيلاهوب. ومن حب الناس لهذه الفرقة لم يقتصر نشاطها على الشرائط ، بل صارت تلبي الدعوات وتشارك في حفلات المناسبات المختلفة. ويبقى السؤال المشروع: لماذا ، مع كل هذا ، عٌرف السوداني (بالنفس الحار)؟!

الأحد :
يقول جوردون توماس: "إن العلاقة بين العمل المخابراتي والجنس قديمة قدم الجاسوسية نفسها ، ففي كتاب يشوع التوراة ورد أن الزانية "راحاب" أنقذت حياة اثنين من جواسيس يشوع من بطش رجال ملك أريما. وهذا أول ارتباط أزلي مسجل بين أقدم مهنتين عرفتهما البشرية" (التاريخ السري للموساد ، ص 184).
ولسبب ما تستهويني دوماً قصص الجاسوسية. وفي صغري شغفت بروايات أدهم صبري ، رجل المخابرات المصري خارق القوة ، والذي يستطيع عمل كل شيء. يغير ، بين اللحظة والأخرى ، من منظره و هندامه! يكون أمامك ، ثم يختفي في ثانية فلا تراه! رجل المهام المستحيلة الذي (دوخ) سونيا ، عميلة الموساد الإسرائيلية التي حاولت الإيقاع به بشتى السبل ، لكن مهمتها كانت تنتهي بالفشل في كل مرة. كما شغفت أيضاً بمشاهدة أفلام جيمس بوند ، عميل المخابرات البريطاني وسيم المحيا ، قوي البنيان ، حاد الذكاء ، سريع البديهة والتصرف!
جوردون توماس صحفي يهودي إسرائيلي كتب حوالي سبعة وثلاثين كتاباً يدور أغلبها حول الجاسوسية وأنشطة المخابرات. ترجم الكتاب إلى العربية وقدم له الصحفي المصري عادل حمودة محذراً من تصديق القصص الخيالية التي أوردها جوردون ، قائلاً إن معظمها لا يمكن التحري من صدقه! إحدى هذه القصص ، على سبيل المثال ، كانت عن دور الموساد في مقتل الأميرة ديانا وصديقها العربي دودى الفايد ، وكيف أن سائق سيارة الأميرة كان عميلاً للمخابرات الإسرائيلية! كذلك تطرق جوردون في كتابه إلى عملية ترحيل الفلاشا ، وإلى المفاوضات التي أجرتها الموساد مع بعض ضباط أمن النميري. وقال إنهم سألوا أحدهم تقديم يد العون لهم في بعض مهامهم على أن يطلب منهم ما يريد ، فطلب دراجة بخارية يبدو أن "نفيستو كانت فيها"! وروى جوردون كيف أن الطلب الغريب أوقع مسئولي تل أبيب في حيرة ، وهم يحاولون ، عبثاً ، الوقوف على المعنى الحقيقي لطلب رجل الأمن ، حتى لقد ظنوا ، في البداية ، أنه يريد ذهباً يزن دراجة بخارية ، ولكنهم ما لبثوا أن تحققوا من أنه بالفعل لا يبغي غير .. دراجة بخارية!
أكثر ما يلفت نظري في قصص الجاسوسية هو المرأة ، وطريقة التعبير عنها ، والصورة التي يبرزونها بها. فعميلات الموساد دوماً فائقات الجمال ، يسرن في ضوء خطط مدروسة يلعب جمالهن أهم الأدوار فيها. وقد اطلعت ، في إحدى القصص المنشورة على الشبكة الإليكترونية ، على محاولة إحدى عميلات الموساد الإيقاع بضابط عراقي. وقد وصف الكاتب كيف "اقتربت منه سيدة فائقة الجمال ، تنزلق من عينيها الدموع السخية"! فها هي المرأة توصف هنا بمتلازمتي الجمال والضعف .. ويا لهما معاً من سلاح فاتك! وفى قصة أخرى عن آمنة داود المفتى ، الأردنية التي عملت جاسوسة لصالح إسرائيل ، يصفها الكاتب بأنها "في المرحلة الثانوية أوغلت فيها مظاهر الأنوثة ، فبدت رقيقة الملامح ، عذبة ، شهية ، طموحة ، ذكية" ، لكنه لا ينسى أن يضيف أوصافاً أخرى (كالحية الناعمة الملمس) ، مثلاً ، أو (العميلة المخلصة التي تعرف لغة الجسد) ، أو (العميلة القادرة على جعل أكثر الرجال صلابة يتعشقها ويذوب فيها) .. الخ.
ورغم حبى الشديد لقصص الجاسوسية ، إلا أن طريقة التعبير عن المرأة فيها تبدو لي دائماً مبتذلة. فهي لا تقوم ، في معظم الأحيان ، بغير الدور الرخيص المنوط بها أن تستخدم فيه جمال جسدها وملامحها. ومع أن الوضع الاجتماعي للمرأة في كل المجتمعات تقريباً آخذ في التغير نحو الأفضل خلال السنوات الماضية ، إلا أنه تغير نسبي طفيف في ظني ، فما يزال أمام النساء الكثير من المهام النضالية التي ينبغي عليهن إنجازها في سبيل نيلهن لحريتهن وحقوقهن كاملة ، وعلى رأسها الانعتاق من تلك الأدوار التقليدية التي التصقت بهن تاريخياً.
لكن ، مع ذلك ، لا أظننى أستطيع التوقف عن قراءة قصص الجاسوسية التي أجدني مستغرقة فيها بكل جوارحي!

الإثنين :
كثيرا ما تلفت (الإعلانات) نظري و تحوز على اهتمامي. أذكر أنني عندما كنت صغيرة ، وقبل خروجنا من السودان ، كانت ثمة إعلانات لصنف من الحلويات. وحتى الآن ، ورغم طول المدة ، إلا أنني ليس نادراً ما (أظبط) نفسي أغني مقاطع من ذلك الإعلان:
ـ "حلاوة حلا. أول إنتاج كان في السودان لحلويات أشكال و ألوان ، حلاوة حلا"!
وعلى أيامنا بالقاهرة ، كنت أيضاً كثيراً ما أهتم بالإعلان ، فـ (دم) إعلاناتهم ، في غالبه ، خفيف! في إحدى المرات رأينا ، أنا وشقيقتي ، إعلاناً لحبوب مص. وما أن تضع فتاة الإعلان حبة منها في فمها ، حتى يتطاير شعرها الطويل ، ويمص الفتي ذات الحبوب ، فيقف شعره (قرون قرون)! نظرت أنا و أختي إلى بعضنا البعض وركضنا سريعاً نحو (الكشك) أسفل العمارة ، فابتعنا بالنقود القليلة التي كنا نملكها تلك الحبوب ، وأخذنا نمصها. لكن ، يا للأسف ، طعمها سيئ للغاية! قلت لشقيقتي ، تعبيراً عن خيبة أملي:
ـ "كنت قايلاها حتكون حلوة"!
ـ "وأنا برضو"!
ومرت فترة ، والطعم لا يزال غير مستساغ. ثم سألت شقيقتي:
ـ "أها .. شعري وقف"؟!
فتجيبني بالنفي. و تصمت قليلا ثم تسألني هي نفس السؤال ، فأجيبها أيضا بالنفي. حتى يئسنا و(قنعنا) ، فلفظت كل منا باقي الحبة من فمها ، ونفوسنا ساخطة على تلك الحبوب.
و أذكر أن حضر والد أحد الإخوة السودانيين من السودان إلى القاهرة بغرض العلاج ، وكان ذائعاً وقتها إعلان صابون غسيل معين ، وكان (ماكل الجو)! نجمة الإعلان ، الممثلة المصرية (نرمين الفقي) كانت وجهاً جديداً وغير معروف آنذاك ، وكان ذلك الإعلان سبباً في شهرتها ، حيث أحبها الناس سريعاً ، بوجهها الجميل ، وحضورها الطاغي على الشاشة. وذات يوم ، وبعد أداء والد السوداني لصلاة العشاء ، وبينما هو لا يزال على سجادته ، سأل ابنه ، و بكل جدية:
ـ "إنت دعاية الصابون ديك الليله ليه ما جابوها يا ولدي"؟!
و كثيرأً ما كان يدور النقاش بيننا حول جدوى الإعلانات ، وهي غالباً ما تكون باهظة التكلفة. وكنت أعتقد أن للإعلان أثر إيجابيّ في ترويج السلعة ، بينما كان البعض يرى أنه من (العبط) أن يقوم أحدهم بشراء سلعة ما فقط بسبب رؤية إعلان عنها! وكنت ، وما زلت ، عندما أقع في حيرة من أمري حول أي منتج أشتري ، أذكر بسرعة الإعلانات التي شاهدتها عنهم ، و أبتاع الذي أقنعني إعلانه. و بعد ذاك يمكن أن أقرر. وكنت استرجع دائماً قصتي وأختي مع تلك الحبوب ، وأقول إن للإعلان أثر قويّ علي المستهلك. فحتى اليوم , عندما أذكر تلك الحبوب أقول:
ـ "أعوذ بالله ، الله لا كسبها"!

الأربعاء، 6 فبراير 2008


إني راحلة .....

فتاة في الحادية عشرة من عمرها بدايات المرحلة المتوسطة و مدرسة الأميرية بحري ذات صباح،، بعض من فتور يسري باعضائي و ( يهد ) جسدي أشعر ببعض من برد،، أود أن أحس بالدفء أمي، تمد يدها و تتحسس جبيني يآآآآآآآه، حرارتك بها إرتفاع مشاعرها متضاربة، ما بين إبنة مريضة وما بين واجبات عمل لا بد من تلبيتها وخصوصا وأن المستقبل مجهول فذلك الزوج، أحيل للمعاش حديثا وصارت هي مصدر الدخل،، قبلة متروية على جبيني و وداع مضطرب أبي يقنعها بالذهاب إلى عملها ( أمشي ما بتجيها حاجة )لا تزال واقفة، محتارة قال لها ( حأوديها الدكتور و حأغيبها من المدرسة الليلة ) و قد كان. رحلة مع أبي إلى عيادة الطبيب لا شيئ حاد أو قاس،، أدوية هنا ومسكنات هناك في طريقنا إلى المنزل وقفة معتادة بجانب ( كشك ) المجلات والجرائد إلتقطنا تلك المجلات المألوفة و المنتظمة كل إسبوع ميكي.. ماجد.. كابتن ميكي.. سمير... والصبيان وأخذت كتاب ليوسف السباعي سألت والدي أن من هو إلتقط الكتاب من يدي،، دفع الحساب وإنسحبنا نحو العربة رقدة على فراشي بعد تناول حبات من الطعام وبعض قطرات من الماء لأبتلع بهم ( الحبوب ) وأنا أستعجل كل ذاك منتظرة إلتهام المجلات و الكتب ولأول مرة في حياتي أقرأ كتاب لمن صار أهم كاتب عندي يوسف السباعي وكان كتاب (إني راحلة) ...

يقول السباعي في مقدمة أحدى قصصه
كنت أحب الديار، و ما بها، و ما حولها،
كانت رؤية الشجر الوارف من بعد تثير في نفسي الشوق وتبعث الحنين،
كنت أحب الدار حجرا حجرا، و شجرة شجرة

قصة أمنية ضائعة
كتاب مبكى العشاق